- هل مِن الحكمة أن تتفاءل بينما الواقع يشير إلى الأسوأ؟
- نعم الواقع سيئ، لا يمكن أن ننكره، لكن ما تدَّعي أنه يشير إلى “الأسوأ” إنما هو محض اجتهاد منك، وليس حقيقة مؤكدة، حتى تبني عليها رأيًا، أنت الذي تتوقَّع، فيما الواقع ما زال أسير “اليوم”، ولم يصبح “الغد” بعد.
- ما فائدة العقل إذن، إذا لم نُعمله في الواقع؛ لنستنتج ما سيؤول إليه المستقبل؟
- وأين الفارق إذن بين الذين يؤمنون والذين لا يؤمنون؟
- وما دخل الإيمان هنا؟
- للإيمان دخل في كل شيء، سواء امتلكت هذا الإيمان أو لا؛ فأنت تنظر للأشياء إما من خلاله، أو بتجاوزه، بمعنى آخر: إن رؤيتك للأمور إما أنها بناء على إيمانك، أو بناء على عدم إيمانك.
- لكن اليأس هو اليأس سواء كنت مؤمنًا أو لا؟
- صحيح، لكنْ ما الذي أوصلك إلى اليأس بالأساس؟
- كما قلتُ لك: أقيس بناء على الواقع.
- والمؤمن يقيس بناء على قناعاته العقائدية والفكرية، أنت ترى الأمور في أسبابها، والمؤمن يرى أن الأسباب كلها في يد الخالق، وأن كل شيء يمكن أن يتغير في لحظة، مما هو عليه إلى ضده، ولذلك لا يصيبه اليأس أبدًا.
- والاحتمال الثاني: ألا يتغير، وربما يزداد سوءًا.
- لا خلاف، غير أن المؤمن يرى في كل احتمال خيرًا، سواء تغيرت الأمور أم لم تتغير، هو يرضى بخيارات الله تعالى.
- إذن ما مصدر التفاؤل؟
- الثقة في خيارات الله؛ فالتفاؤل ليس فيما سيحدث، وأن ما نرغب به، حسب تصوراتنا، سيحدث، ولكن التفاؤل في قَدَر الله، تمامًا كما لو أنك سلَّمت قيادة مركبتك لمن تثق به، ولله العظيم المَثَل الأعلى، صحيح قد يصيبك بعض القلق أو الخوف في الطريق، لكنك تظلُّ واثقًا في اختيارات مَن تركت له مهمة القيادة، إنْ سار إلى الأمام، أو انحرف قليلاً أو كثيرًا إلى اليمين، أو اختار الانحياز إلى اليسار، أنت مطمئن في كل الأحوال، صحيح أن نفسك تُحدِّثك -أحيانًا- بأن القادم أسوأ، ثم تتذكَّر أنك لطالما مررت بصعاب كثيرة أخرجك الله منها على خير، وربما بحسابات مختلفة عن حساباتك.
- وعلى هذا الأساس نحصر دورنا في المشاهِد الذي يُتابع ما يجري، وهو صامت، وعليه أن يصبر، حتى لو رأى الجحيم على مرمى البصر.
- على العكس تمامًا، فيتحتم عليك أن تفعل أقصى ما في وسعك، الآن وفي هذه اللحظة، ثم تترك أمر المستقبل للخالق، اليأس نوع من الخيانة، خيانة الرابط الذي يجمعك مع مَن خَلَقَك، خيانة الثقة به -عز وجل- وباختياراته وبأقداره.
- لكنَّك تعتمد هنا على الغيبيَّات.
- نعم، وهو أساس الدين؛ فنحن لم نر ربنا، لكننا نؤمن به عن غيب، بل أنت أيضًا تؤمن بالغيب؛ فتفترض ما سيحدث في المستقبل، رغم أنه في علم الغيب.
- لديَّ مؤشِّرات.
- هذه رؤية وليست رياضيات، واحد زائد واحد يساوي اثنين، الفكرة كلها في أنك كيف تنظر للأمور، يمكنك أن ترى دمار غزة هلاكها، ويمكنك أن ترى أن المكاسب العسكرية التي حققتها المقاومة غير مسبوقة في تاريخ العرب، وأن جيلاً كاملاً في الغرب بدأ يرى قضية فلسطين برؤية مختلفة، وأن صيحة الحرية لفلسطين التي تتردد الآن في أنحاء العالم لن تذهب سُدى، صحيح قد لا يُسعفنا هذا في اللحظة الراهنة، لكن ربما بعد عقد أو أكثر سوف تختلف الصورة تمامًا، في كل الأحوال يجب أن ترى الأمور بشقيها: السلبي والإيجابي؛ لتكوِّن رؤيتك الشاملة، مسلِّمًا بأن للحرية ثمنًا.
- إذن تعتمد على عقلك.
- نعم، تعتمد عليه وقد يُضلُّك، وقد يَدلُّك على قوانين مَن خَلَقَه.
- وكيف أعرف؟
- تجرَّد بحثًا عن الحقيقة؛ أخرج من قلبك كل هوى، من تحب ومن تكره، تجرد فإن المتجرِّد يصل.
- أخشى أن التفاؤل يفعل فعل المخدِّر، فلا تحرِّك ساكنًا.
- بل العكس تمامًا، ولذلك قيل: “لا تيأس فتقنط فلا تعمل”، التفاؤل يحثُّك على أن ترسم خططك لليوم التالي بعد الحرب، وقد خرجت منها منتصرًا بإذن الله.
- وإذا لم يحدث؟
- لا ضمانات في هذه الحياة؛ الحياة ليست سوى مجموعة من المغامرات، وعليك أن تُحسن اختيار مغامرتك، واليأس كفيل بهزيمتك من الخطوة الأولى، بينما الأمل يدفعك دفعًا للأمام.