(1)
يصل ماريو سافيو إلى عالمنا في الثامن من الشهر الأخير لعام 1942، والداه المتدينان يحلمان بأن يصبح ابنهما قسيسًا في مدينتهم نيويورك.
يتدرج الطفل في دراسته حتى يتم مرحلته الثانوية متفوقًا، ليحصل على منحة دراسية كاملة.
ينتقل في العام 1963 مع والديه إلى لوس أنجلوس ليلتحق بجامعة كاليفورنيا.
يسمع عن تظاهرة داخل الجامعة ضد جمعية فنادق سان فرانسيسكو التي تستعبد السود وتشغلهم في وظائف وضيعة بظروف عمل صعبة، فيقرر المشاركة.
تلقي الشرطة القبض على مجموعة من الطلاب المتظاهرين، هو واحد منهم.
يخرج من سجنه ليبدأ مسارًا جديدًا في حياته الطلابية، يشارك زملاءه فيه مظاهراتهم من أجل الحقوق المدنية، ومنها حق السود في التصويت.
(2)
صاحبنا لا يتوقف عند التظاهر، ولا يريد أن يكون ذلك أقصى ما يفعله، فيبادر إلى تدريس الأطفال السود في “مدرسة الحرية”.
يستفز نشاط ماريو عددًا من العنصريين البيض، ينتظرونه وزميلاً له يشاركه المهمة في الطريق، ويوسعانهما الضرب، فيتقدم ببلاغ إلى الشرطة، ليكتشف بعدها أن المباحث الفيدرالية متورطة في الجريمة، وأنها دعمت المهاجمين وساعدتهم في جريمتهم.
يصبح الأمر بالنسبة لماريو أكبر من مجرد تظاهرات للحقوق المدنية، بل مواجهة حقيقية يجب خوضها ضد العنصرية والتطرف، ليعود بعدها إلى جامعة كاليفورنيا، وينضم إلى اعتصام طلابي، يطالب بالمساواة العرقية بين كافة الأمريكيين دون تفرقة بين أبيض وأسود.
تقتحم الشرطة الاعتصام الطلابي، وتحاول إلقاء القبض على أحد القياديين المنظمين له، وتحاصر الطلاب سيارة الشرطة، فيصعد ماريو رفقة آخرين فوقها لمنع رجال الأمن من اعتقال أي مشارك في الاعتصام، ينجح تجمعهم في طرد رجال الشرطة خارج الاعتصام.
تعد رئاسة الجامعة الطلاب بالتفاوض، إذا قرروا فض الاعتصام، صدَّق المنظمون الوعد، وطالب ماريو ورفاقه بقية الطلاب بفض الاعتصام، إلى أن اكتشفوا أن الوعد ليس سوى كذبة، ولا نية لمفاوضات حقيقية.
(3)
نحن الآن في الثاني من الشهر الأخير لعام 1964، والمكان قاعة سبرول بمدينة باركيلي بولاية كاليفورنيا حيث يحتشد 4000 شخص، يقف أمامهم ماريو ليلقي خطبة وصفت بالأهم في تاريخ الحركة الطلابية الأمريكية، وتحمل اسم: “الأجساد على التروس”.
هاجم ماريو السياسات الأمريكية ووصفها بالبغيضة، تتعامل مع البشر باعتبارهم ماكينات لا مشاعر لهم.
يستفز التجمع الطلابي وخطابه سلطات الولاية، لتداهم شرطتها مقر الاجتماع وتقبض على 800 من الحاضرين، بالتأكيد هو أحدهم، ليحكم عليهم بالسجن لمدة 120 يومًا.
ولأن السجون لا تغير المخلصين المؤمنين بقناعاتهم، فإن ماريو يُسأل عما إن كان سيكرر ذلك لو عاد به الزمن للخلف، فيرد بحزم: لو عاد الزمن لعدت.
ينهي عقوبته ويخرج من السجن، ويستمر في المشاركة في الفعاليات الطلابية حتى الشهر الرابع من عام 1965، ليكتشف أن فجوة كبيرة باتت بين أعضاء الحركة الطلابية وأفكارهم، فيقرر الاستقالة.
لكن ذلك لم يكن كافيًا لإزاحة الأنظار عنه؛ فقد اكتشف لاحقًا أن المباحث الفيدرالية وضعته تحت المراقبة، منذ واقعة صعوده فوق سيارة الشرطة، باعتباره الوجه الأهم للحركة الطلابية في الولايات المتحدة، مما يعني أنه خطر على أمن البلاد، ومصدرًا مهددًا لإشعال التظاهرات في أي وقت.
(4)
يتنقل ماريو بين عدة وظائف ما بين موظف مبيعات ومدرس بالجامعة، ويتزوج رفيقة له في تظاهرات الحركة المدنية، وبعد شهرين من زفافهما يحصل على منحة دراسية من جامعة أكسفورد، فيسافر إلى بريطانيا رفقة زوجته، وهناك ينجبا طفلهما الأول.
لم يكمل ماريو دراسته في أكسفورد وعاد إلى كاليفورنيا مع زوجته في 1966، وبعدها بعامين يقرر الترشح لعضوية الكونجرس الأمريكي لكنه يخسر الانتخابات.
ينجب بعد عامين طفله الثاني، لكنه ينفصل عن زوجته بناء على طلبها، مما أدخله في حالة شديدة من الاكتئاب.
(5)
العام 1980 كان نقطة انطلاق جديدة لتغيير مهم في حياة ماريو حيث تزوج للمرة الثانية من إحدى معارفه القدامى من الحركة الطلابية، ومعها يعود للدراسة في جامعة سان فرانسيسكو، ويحصل على بكالوريوس الفيزياء ثم الماجستير في نفس التخصص، حتى إن اسمه أُطلق لاحقًا على نظرية فيزيائية؛ تقديرًا لتفوقه.
في العام 1990 يصبح أستاذًا في الجامعة، فيستمر في المشاركة في تظاهرات طلابه، ويدعم مطالبهم بتخفيض مصروفات الدراسة، ومراعاة الظروف الاقتصادية للطلاب، ويستمر في ذلك رغم إصابته بمرض قلبي مزمن.
(6)
يشهد العام 1996 السطر الأخير في الحكاية، حين يخوض ماريو مناقشة حادة مع رئيس الجامعة لم يعرف محتواها بسبب إصابته بنوبة قلبية عقب انتهائها بوقف قصير، ويدخل في غيبوبة تستمر وقتًا ليس بالقصير حتى أيقن الأطباء أن جسده دخل في حالة موت إكلينيكي لترفع عنه الأجهزة لاحقًا، وتنتهي معه قصته الطويلة المليئة بالأحداث والمفارقات، ليموت ماريو شريفًا.