علامة استفهام 24: ما هو كود النجاة؟
(1)
ترغب بالانسحاب من كل شيء، مستسلم إلى الرتابة والجمود، لا تستمتع حتى بالأشياء البسيطة، تعيش حياة باهتة.. غريب أنك لا تعرف السبب!
(2)
هل يمكن أن يكون حالك أسوأ من “كريستي بروان” الرسام والكاتب الأيرلندي الشهير؟! هل يمكن أن يكون وضعك الآن أصعب من رجل يعاني من شلل دماغي وليس بوسعه أن يمارس موهبته وحرفته إلا بأصابع قدمه اليسرى؟! ورغم ذلك حقَّق ما لم يحققه الآخرون.
شاهد إن شئت فيلم “قدمي اليسرى”، سوف تُذهلك التفاصيل، سوف تخجل وأنت تقارن بين ظروفك السيئة التي تعيشها وتحيط بك من كل جانب، وبين حالته التي ولد عليها، أنت أفضل حالًا جدًّا منه، لكنَّك أكثر إحباطا جدًّا منه.
صاحبنا ذكي، لقد أفلح في تقديراته، فبعملية حسابية بسيطة أدرك كريستي أنه إما أن يعاني عدة أعوام حتى يستطيع أن يوائم نفسه مع الظروف، ويتعايش معها، مستبعدا أن تنتهي، وإما أن يبقى هكذا يعاني طوال حياته، خمس سنوات – مثلًا – من المعاناة أم خمسين عامًا؟
نحن أحيانا لا نحسبها هكذا، لأننا أسرى الانتظار، نحن في انتظار دائم، نتمنى أن يأتي الغد وتأتي معه معجزته، فتنتهي تلك المآسي السياسية والاقتصادية والصحية التي تحيط بنا من كل جانب، نقول لأنفسنا: ليس بوسعنا مواجهتها، فلننتظر.
(3)
هل تتذكر عندما كانت تدهشك فكرة ما، وتشغل بالك طوال الوقت، وتتسع عيناك عند ذكرها، وتبدو مستعدًّا للمغامرة من أجلها، عندما كنت تتعلق بأمر، ولا تستطيع الفكاك منه، وتسعى إليه كالمجنون، عندما كنت تقف وتصرخ وتقول أريد ذلك، أريد أن أفعل ذلك، فيقول لك الناس أين العقل؟ وأين المنطق؟ فترد بإصرار: أريد ذلك.
المطلوب الآن أن تستردَّ هذا الشعور، افعل كل يمكنك فعله حتى تسترد شغفك، سد أذنيك عن الذين يقولون لك سئمنا من الحديث عن هذا الأمر، ثم يمكثون في إحباطاتهم وفشلهم ويأسهم وتشكِّيهم.
لا تقلق أنك فقدته، هو مثل الإيمان والحب وأي شعور إنساني آخر، يزيد وينقص، يظهر ويختفي، تطيح به ظروف محيطة بك، أو تطيح أنت نفسك به، حين تهمله، حين لا تعمل على تطويره، حين تخاف من الفشل، حين تبالغ في تبنِّي أهداف غير منطقية، حين تقوم بتحويله إلى روتين، فالتكرار يدمر كل شيء.
شغفك يناديك، مهنة أخرى غير التي تمارسها طالما رغبت بها، دراسة تريد أن تستبدلها بأخرى تخوضها الآن كارها، نمط جديد من الحياة تسعى أن تنتهجه، هواية تتمنى تعلمها، مغامرة ترغب في خوضها.
ذاك الشغف هو ما يخرج بك من هذا الضيق، وتقلب به الطاولة، ويمنحك طاقة جبارة لتتحمل معاناة الحياة، ولتصبر على بؤسها.
هل لديك الشجاعة أن تقرر هكذا فجأة أن تدير ظهرك لهذا العالم بضوضائه وتتبع ببساطة شغفك، تجنبا للحظة تندم فيها قبل موتك أن تكون قد فعلت كل شيء إلا ما كنت ترغب فيه.
(4)
هل الظروف مناسبة الآن لذلك؟
ليست هناك لحظة مثالية للبداية، لكن هناك لحظة مناسبة، انتهزها بعناية وابدأ، ولا تخشَ مما سيؤول إليه مصيرك إن فعلت، لا شيء أسوأ من تجاهل رغباتك الداخلية الحقيقية، لا شيء أسوأ من الندم وأنت هَرِم.
يحتاج المرء أحيانًا إلى نوع من الصدمة حتى يفيق ويعود إلى طبيعته، ويعود الدم يتدفق في العروق، والخروج من منطقة الراحة واحدة من أهم الحلول، وهي لا تحتاج إلى توقيت معين، يمكنك أن تبدأ الآن.
كل منا يحيط نفسه بمنطقة آمنة من الأماكن والأشخاص والاهتمامات والاعتيادات، ماذا لو انتزعت نفسك منها ولو قليلا، حينها ستعيد حساباتك كلها، وستعرف إذا كانت اللحظة المناسبة قد حانت أم لا.
(5)
نعم الشغف به شيء من الجنون، لكنه ليس الجنون المطلق، ولا يعني غياب المنطق، هو ببساطة مغامرة “محسوبة إلى حدٍّ ما”، لكنْ تهيَّأْ للمفاجآت، وذكِّر نفسك بأن أي خطة لا تسير وفق المتوقع لها دومًا، فلا ترتبكْ إذا حدث هذا، والأهم لا تقتل شغفك إذا لم تستطع تحقيق كل ما خطَّطت له.
الشغف لا يحتاج إلى الحماس وحده، هو يحتاج إلى الدراسة والتدريب والتطوير، يحتاج إلى التفكير، وإلى رسم خطة تدريجية ليتحول من حال إلى حال.
جرَّبت وفشلت، لا بأس، برأيي أن على الإنسان دائما إعادة تقييم نفسه، وأن يكون صريحا معها، نحن أحيانًا نكذب على أنفسنا، شابٌّ يريد أن يكون مخرجًا ليس لأنه يحب هذا الفن، لكنه يبحث عن ثمراته، عن التعامل مع أجواء الفنانين، وأن يكون محل الأضواء، أو يريد أن يكون طبيبا بما يحمله هذا اللقب من مكانة اجتماعية، لكنه في حقيقة الأمر لا يقوى على دروس الطب وعلى البقاء بين الأمراض والدم.
يجب بداية أن تختبر صدقك في هذا الشغف الذي اخترته، ربما تجد نفسك في غيره، لذا هناك تلك النصيحة العظيمة:
إَذَا لم تستطعْ شيئًا فدعْه وجاوزْه إلى ما تستطيعُ
(6)
الكلام سهلٌ لذلك يتمايز الناس بالفعل، يفوز دائمًا من يستطيع أن يواجه العقبات ويتجاوزها، من يقتل كل الأعذار..
عدم الحصول على شهادة تعليم عال ليست عقبة، الظروف المادية ليست عقبة، العمر ليس عقبة، وقصة الأديب البرتغالي خوسيه ساراماغوا معروفة، وقد بدأ يحترف الكتابة التي أوصلته إلى جائزة نوبل وهو في سن الخمسين؛ خير مثال على ذلك.
في أيامنا كان هناك ألف عائق من المحيط العائلي يحول دون أن ينطلق المرء ويركض نحو شغفه، الآن أنتم معشر الشباب في حِلٍّ من ذلك كله، ولكنكم تقيدون أنفسكم بأنفسكم، الخوف والتردد والعزيمة الواهنة أعداؤكم الحقيقيون، أنتم أسرى حقيقيون لها، فحرروا أنفسكم.
الشغف هو ما سوف ينتشلنا من هذه العتمة التي نحن غارقون فيها، لا سيما إذا تذكرنا أن الأحلام المخزنة تَفسد.