(1)
“إنه شخص آخر، لقد أصبح مختلفًا تمامًا عن ذاك الذي ارتبطت به وقبلت الزواج منه، بل كنت مستعدة لأن أضحي بأي شيء مقابل أن يتم هذا الزواج”.
ما تقوله المرأة يقوله الرجل، نفس الشكوى أن شريكة الحياة بعد مرور السنوات تتحول إلى شخص آخر.
ليصبح هذا التغيير واحدًا من أهم أسباب الانفصال بين الزوجين.
والحقيقة أن الاثنين محقان؛ فكلٌّ منهما قد تغير، ويبدو أنهما تغيرا بسرعتين مختلفتين، وربما في اتجاهين مختلفين؛ ليصبح لدينا شخصان جديدان.
وهنا المشكلة؛ فالشخصان الجديدان قد يكونان غير متوافقين.
(2)
لا أحد منَّا ثابت، كلٌّ منَّا يتغير، بشكل أو بآخر، إما بإرادته، أو رغمًا عنه، الأحداث التي يمر بها الإنسان تغيِّره، حتى وإن لم يرغب في ذلك، ولم يعزم على ذلك، بعضنا يدرك الأمر جيدًا، فيمسك بدفة القيادة، قيادة نفسه؛ حتى يسير تغييره في الاتجاه الذي يعتقد أنه صحيح، فيما آخرون إما لا يعترفون بالتغير الذي يجري لهم، أو يتركون أنفسهم لأمواج التغيير تحط بهم عند وجهة جديدة ومجهولة، قد تكون مناسبة تمامًا، وقد تكون غير ذلك.
هذه ليست مشكلة المتزوجين وحدهم، بل كل العلاقات الاجتماعية، مثل: الصداقة، والزمالة، والجوار؛ فالإنسان لا يعيش منفردًا، إنه كائن اجتماعي بالدرجة الأولى وإن ادَّعى غير ذلك، لكن الأزمة تبدو واضحة في الزواج خصوصًا؛ فقد ربط الطرفان مصيرهما ومن أنجبا ببعضهما البعض، إنه عقد شراكة بين طرفين محددين، لكن الآن وبعد مرور هذه السنوات أصبح لدينا شخصان مختلفان، عليهما أن يتعاملا وفق عقد كان يجمع اثنين آخرين!
(3)
هل التغيير مرتبط بالزمن؟
نعم إلى حدٍّ ما.
الأزمات التي تمر بها في حياتك، لا يمكن أن تمر هكذا دون أن تترك في نفسك ندبات، أو تدفعك لسلوك طريق أخرى في حياتك، أو تغير من طريقة تفكيرك، أو تشعرك باحتياجات مختلفة، شئت أم أبيت.
وبعد الأزمات التي تعصف بالإنسان فإن السفر والقراءة من أكثر العوامل التي تُحدث التغيير بأي شخص.
السفر بالذات تجربة سخية جدًّا؛ فأنت لا ترى فيها عالمًا آخر وحسب، بل ترى فيها نفسك على حقيقتك، مَن أنت وماذا تريد وهل أخطأت وهل أصبت.
هل تتغير إلى صورة أفضل أو أسوأ؟
هذا يعتمد على الطريقة التي تتعامل بها أنت مع نفسك ومع الأحداث، كيف تفكِّر، وكيف تدير أمورك وتصرفها بينما البحر هائج والعواصف شديدة.
نعم التغيير مرتبط بالزمن “إلى حد ما”
“إلى حد ما”؛ لأن الإنسان متقلب جدًّا في اليوم الواحد، بل أحيانًا في الساعة الواحدة؛ فأنت مؤمن جدًّا، حد البكاء ما أن تسمع آياتك المقدسة، أنت فاسق جدًّا حد الأحلام التي تراودك في يقظتك، وحسب ما تراود نفسك به في الواقع.
لقد اشتكوا لنبينا الأمر من قبل، قالوا له -صلى الله عليه وسلم: إنهم يجلسون يستمعون القرآن في خشوع كامل، وقلوبهم في خشية كاملة، فإذا خرجوا من مجلسهم حدثتهم أنفسهم بغير ذلك.
المشكلة أن التغييرات التي تلحق بأي بني آدم أصبحت أسرع بمراحل عما كان يجري لبني آدم قبل عقد أو أكثر.
(4)
هل نحن مجانين؟
نعم إلى حد ما!
نحن كائنات مجنونة، المرء منا لا يعرف ماذا يريد، متقلب المزاج، حاد الطباع أحيانًا، لطيف للغاية أحيانًا أخرى، يريد الشيء وضده، يريد الشهرة والمال، لا إنه يريد الراحة والطمأنينة في مكان منعزل عن هذا العالم الصاخب، بل هذا الإنسان الذي يتحدث عن العزلة لا يستطيع الابتعاد عن هاتفه دقائق، إنه مرتبط بالعالم من خلاله.
يريد الارتباط بفتاة رائعة الجمال، لا إنه يريد فتاة مؤمنة، بل يريدها ثرية لا تحمِّله فوق طاقته، ربما -الأفضل- يريدها من أسرة بسيطة؛ حتى لا تكون تطلعاتها مرهقة، وفي نهاية الأمر هو يريدها بكل هذه الصفات، الشيء وضده!
لا تصدقني؟!
بربك هل هؤلاء الساسة عاقلون ناضجون بغض النظر عن انتماءاتهم العقدية؟
لا نريد ساسة أصحاب مُثُل ومبادئ، فقط نريد ساسة عاقلين!
هل هؤلاء القادة العسكريون عاقلون، وهم يدمرون مُدنًا بأكملها على رؤوس أطفالها وعجائزها ونسائها، هل هم عاقلون؟
الأمثلة في حياتنا اليومية لا تنقطع.
هذه الطبيعة البشرية تعقِّد الأمر أكثر وأكثر.
لكن هل كلنا ذلك؟
نعم، ولكن ليس بنفس الحدة!
هناك من يتحكَّم بنفسه، إلى حد قمعها، وهناك من يسايرها، وهنا تقع المشكلة.
راقب نفسك، وعُدَّ كم شخصية أنت، ولماذا تتحول من حال إلى حال، وما هي أكثر الحالات التي تحب أن تكون فيها، هل تحب ما كنت تكره، ثم عدت إلى كراهية ما كنت تحب، أليس ذلك دليلا على عدم الاتزان، والذي نطلق عليه من باب “الدلع” وصف: مجانين.
التغيير المحمود غير التغيير المكروه، وهذا هو لب الأمر، إن التغيير واقع واقع، عليك فقط أن تجعله محمودًا.
(5)
لا أتحدث هنا عن تغير العاطفة فهذا موضوع آخر، لكن عن تغير نظرتنا إلى شريكنا، والتي -بالتأكيد- ستؤثر على عاطفتنا نحوه، لكن مسألة العاطفة لها ملفها الخاص.
الآن ماذا بوسع المتزوج أن يفعل، حتى لا يتحول هذا التغيير المتوقع إلى مصيبة الانفصال؟
ربما أول خطوة هو أن يعترف كل شريك أنه -هو نفسه- تغير كذلك وليس شريكه فقط، فلا يحمِّله المسؤولية وحده، وينفض يده عن الأمر.
يقال: إن الحب ليس أن يجلس الطرفان ينظران في عيني بعضهما، ولكن أن ينظرا في نفس الاتجاه، ولو حافظ الطرفان على ذلك لكان التغيير لكليهما في نفس الاتجاه.
المسافات من أخطر العوامل التي تؤثر سلبًا -في الأغلب- على العلاقات.
المسافات الجغرافية في حالة السفر بعيدًا عن الشريك.
والمسافات الفكرية عندما تتوقفا عن النقاش معًا، النقاش الفكري حول الحياة وما يجري، وليس النقاش في أمور العائلة والتورط في مشاجرات.
بالتأكيد ليس الأمر سهلاً، إنه يحتاج إلى إخلاص وفن.
إخلاص بمعنى: الرغبة الصادقة في أن تستمر العلاقة بين طرفيها الجديدين.
وفن في إدارة هذه العلاقة.