(1)
قبل أن تُغمض عينيك، أو وأنت عالق في المواصلات، أو ربما وأنت في خضم اجتماع، تلوح لك فكرة، تقول لنفسك: حسنًا، سأكتبها عندما أستيقظ، أو عندما أصل البيت، أو حين أُنهي اجتماعي، إياك وأن تفعل ذلك، ألقِ القبض عليها ما إن تلوح لك، يسمون ذلك: صيد الخاطر، احبسها حتى وإن لم تكتمل، لا تدعها تهرب أبدًا، إذا انتظرت لن تجد شيئًا، ستهرب من ذاكرتك، تدوينها يحبسها، يمكِّنك من استرجاع التفاصيل، لتقرِّر بشأنها ما شئت، تحتفظ بها وتكبِّرها، أم تتخلص منها.
أوَتعرف البخيل؟
إنه ينسى أحيانًا المخبأ الذي وضع فيه نقوده فيخسرها.
أنت كذلك لا تخبئ أفكارك؛ فربما تنساها، وتنسى أين وضعتها.
(2)
لا تتسرع بالإعلان عن فكرتك، لا تطلقها إلى الهواء، احتفظ بها كما تحتفظ الأم بحملها، مدها بأنابيب الحياة، وغذِّها، واعتن بها، حتى إذا حان الموعد ونضجت وُلدت وخرجت إلى العلن.
نعم سيكون المخاض مؤلمًا، تفكّر وتفكّر وتفكّر، تتردَّد، تقلِّبها على كل الأوجه، ثم عليك لاحقًا ألا تنزعج، ولا تأبه أنها وُلدت ضعيفة، هزيلة، غير مكتملة النمو؛ فهذه طبائع الأشياء، فإذا ما تعهدتها بالرعاية، نمَت وكبرت واكتملت، وباتت قادرة على مواجهة التحديات.
أفكارنا مثل أطفالنا، يكبرون، وتتغير ملامحهم، لكن جوهرهم باق كما هو، تستهين بها وهي صغيرة، فإذا ما كبرت وانتشرت اندهشتَ لمَا صارت إليه، وكيف صارت إليه!
(3)
يحق للمرء أن يفخر بالصناعة المحلية مهما كانت جودتها، فلا تحمل أفكار الآخرين وتنسبها لنفسك، فالممتطي جواد غيره سينزل عنه طال الوقت أو قصر، اصنع فكرتك بنفسك، لا تأبه أنها لا تحمل علامات تجارية مشهورة، اصنع عالمك بنفسك، بالمواد الأولية التي بحوزتك، بالحجارة التي في بيئتك، لا تبحث عن “الانبهار”، أفكارنا تكون في البداية مغطاة بغلافها، لا يستطيع أحد اكتشاف هويتها وجمالها وإبداعها، إلا بعد أن تُطلقها أنت للعلن، وتنزع عنها غلافها.
(4)
لا تشعر بالحرج إن ظننت أن الفكرة التي تملأ دماغك هي فكرة بسيطة، هذه ليست تفاهة، الإنسان العادي ربما لا يستطيع أن يرى إلا الأشياء الكبيرة والضخمة، بينما الأكثر ذكاء، يستطيع أن يلتقط من أشياء بسيطة جدًّا أفكارًا عظيمة، أشياء بسيطة قد يمر بها الآخرون ولا ينتبهون لها، لكنها أثارتك أنت، أضاءت شيئًا في عقلك، فلا تستهن بها.
ولا تقلق إن شعرت أن بعض أفكارك نتاج عاطفتك الجياشة؛ فالعبقرية أن تتغذى الأفكار بالعاطفة، “منَ الْحبِّ والكُرْهِ، كالنارِ التي تتغذَّى بالحطبِ اليابِسِ، بِعِ الحقلَ والبيتَ وَافْقِدْ كلَّ ما تَملِكُ لكنْ لا تَبِعِ الإنسانَ فيكَ ولا تَفْقِدْهُ”.
كل ما في الأمر هو أن تعمل بهذه النصيحة: “لا تُمسِكْ حجرًا لا تستطيعُ رَفْعَهُ، ولا تَبلُغْ في سباحَتِكَ مكانًا لا تستطيعُ العودةَ منهُ، ولا تفتَحْ بابًا لا تستطيعُ بعدَ ذلكَ أنْ تَسُدَّهُ”.
وتذكَّر أنه “كلما اتسع الممكن عسُر الاختيار”.
(5)
لا تسألني: كيف تواجه التردد، فهذا عار، يجب عليك التخلص منه في الحال، أسمعت ما قاله الإمام شامل: “من فكر قبل المعركة في نتائجها فليس شجاعا”
لن تخسر الكثير إذا أقدمت على فكرتك واكتشفت عدم صلاحيتها، ضع في ذهنك أنك ستخسر أكثر إن لم تُقدم عليها، وراء كل فكرة ناجحة ألف محاولة فاشلة، جرَّبها صاحبها دون تردد، خاضَ المعارك من أجلها، تحمَّل كل العثرات التي وقع فيها، إلى أن خرج بفكرته الناجحة، وكل محاولة فاشلة يخرج منها بفائدة ما، فلا تردد، ثمة خسارة محقَّقة في تردُّدك، وفي تراجعك، لكن كل النجاح في المحاولة.
ولا تنس أن “الحياة لها حدودٌ، إنها قصيرة، أما الأحلام فلا تنتهي، تستطيع بمفتاح صغير أن تفتح صندوقا كبيرا، اسمع: النار في صدرك يجب أن تحافظ عليها تماما كما تحافظ على نفسك من النار الخارجية”
لكن لا تتكلَّم كثيرًا فقوة الثور لا تُعرف بخواره، بل بعمله.
(6)
شكرًا رسول حمزاتوف، الشاعر والأديب الداغستاني؛ فقد استقيت كلامي من كتابك الجميل “بلدي”، قرأته ذات مرة، واكتشفت إنه لا يتحدث عن داغستان فحسب، بل يتحدث عن الحياة، إنه يؤثِّر بك، ولا يدعك تنتهي منه وأنت على حالك الذي بدأت به؛ فالأفكار خطيرة، وإذا تعوَّدت عليها ستدمنها، بل وسوف تستمتع بها مهما أصابك من أذيتها.