(1)
كان ملكًا شابًّا، تولَّى الحكم لتوِّه، يحمل أفكارًا عصرية، يريد أن يسير في شوارع بلده وبين أهله دون مواكب الملوك، وأن يتصرَّف كإنسان طبيعي، ثم انتهى به المطاف إلى ملك صورة، مفعول به وليس فاعلاً، مسيَّر وليس مخيَّرًا، في قفص ذهبي معزول عمَّن أحبَّ أن يكون بينهم، وذلك ليس إلا بسبب حرسه القديم.
(2)
تصفَّح كتب التاريخ، هؤلاء الزعماء الذين ملأوا الدنيا صياحًا وأخبارًا، أتظن أنهم فعلوا ذلك وحدهم، ألم يكن حول كل رجل منهم ألف رجل، يسهمون في صناعة مجده، أو في ظلمه وجبروته.
لا يفعل الرجل وحده فعله، وإنما صحبه، فإما أن يرفعوه ويرتفعوا معه، وإما أن يُسقطوه ويسقطوا معه.
أشعر أني مؤمن صالح، أو أني أشبه بزنديق، ينبني الأمر على من بصحبتي؛ عندما أجلس مع صالحين أشعر معهم بالحالة الأخيرة، أقارن نفسي بهم، أتساءل: لماذا هم كذلك؟ ولماذا أنا كذلك؟
على عكس الحالة الأولى؛ فإني أشعر أني بقليل عباداتي إنما أنا أشبه بـشيخ الإسلام.
أصدقاؤك، هؤلاء الذين يلتفُّون حولك ويحيطون بك ليسوا عناصر للترفيه، تستمتع معهم بوقتك وينتهي الأمر، أصدقاؤك ليسوا سوى قواتك الخاصة، التي سترفعك إلى القمة، أو تهوي بك إلى الحضيض.
يقول أحمد أمين في سيرته “حياتي”:
“صحِبته فكان مكمِّلاً لنقصي، موسِّعًا لنفسي، مفتِّحًا لأفقي، كنت أجهل الدنيا حولي فعرَّفنيها، وكنت لا أعرف إلا الكتاب، فعلَّمني الدنيا التي ليست في كتاب، ملأ فراغي وآنس وحدتي”.
هل أصحابك على هذا الشكل؟
(3)
متى تكتشف معدن أصدقائك؟
ليس عند الحاجة فحسب، ليس إذا ما مرت بك أزمة طاحنة، ولكن أيضا إذا ما قرَّرت أن تتغير!
وأخطر الأصدقاء هم الذين على شاكلة “الحرس القديم”، أولئك الذين يحملون أفكارهم الرجعية، يريدونك ألا تخالف العادات والتقاليد حتى ولو كانت فاسدة، يرغبون أن تكون نسخة منهم، أو نسخة ممن كان قبلك، يحاربون أي تغيير، مقياسهم وميزانهم: ﴿مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا﴾
وفي اللحظة التي تقرِّر فيها تغيير نفسك، ستجد هذا الصنف في مواجهتك، يكسر عزيمتك، ويقلِّل من أهمية أفكارك، ويشكِّك فيها.
في اللحظة التي تريد أن تمضي في حياتك على النسق الذي تريد، حينها سينقلبون عليك، لن يخبروك أنهم ضدك، على العكس تمامًا سيخبرونك أنما يفعلون ما يفعلون من أجل مصلحتك، وأن التغيير الذي تريده، والحياة التي تتمناها إنما تؤذيك، وهم هنا حولك لينقذوك، والعكس صحيح تمامًا.
ليس بالضرورة أنهم يفعلون ذلك عن سوء نية وسوء قصد، وإنما ربما لسوء فهم، أو لأنك بفعلك ما تريد ستؤنب ضميرهم، سيسألون أنفسهم ألف سؤال، عن خمولهم وقبولهم الاستسلام في الحياة، لا أن يعيشوا ما يرغبون في عيشه، كما تحاول أنت.
(4)
في دائرة أصدقائك تحتاج إلى ألوان مختلفة من الشخصيات، بالتأكيد هذا أمر صعب، ففي العادة نحن نختار من تميل إليه قلوبنا، وربما من يوافقنا دائمًا الرأي، غير أن وجود النماذج المختلفة ضروري.
كنتُ محظوظًا إذ كان من بين أصدقائي من لا يؤمن بكل ما أومن به، إلى الحد الذي كان يدعو الآخرين للتساؤل عن الرابط بيني وبين هؤلاء الأصدقاء كشخصيات متناقضة، ونسوا نظرية المغناطيس الذي يتجاذب قطباه المتعاكسان، أو مبدأ المرآة التي تريك نفسك على حقيقتها، دون حذف أو إضافة.
حرمتني الغربة والسفر من التواصل مع الأصدقاء، الذين عرفتهم في شبابي، ثم كان لي في كل بلد أصدقاء، وفي كل حال من أحوالي المتغيرة أصدقاء، ليسوا كثيري العدد، إنما نماذج أحسبني بهم محظوظًا، إلى حدٍّ أعتبر وجودهم في حياتي نعمة، تستحق شكر الإله.
باختصار، حتى تنهض انظر من حولك، فلهم دور عظيم في نهضتك، أو في انتكاستك لا قدَّر الله.
(5)
في كتابه “السيرة الطائرة” يقول إبراهيم نصر الله: الصديق: آخَرٌ هو أنت.