(1)
لا يكاد يمر يوم، إلا وأقرأ مكتوبًا يحذِّر من أن الأحوال في الأيام المقبلة بهذا البلد أو ذاك ستنهار إلى حدٍّ لا يتصوره أحد، أو يخرج علينا مسؤول دولي يحذِّر من وباء جديد أكثر فتكًا مما مررنا به، أو ينشرون خبرًا مفاده: أن ذاك النيزك سوف يصطدم بالأرض ويُحدِث دمارًا شاملاً، وأن الإنترنت ومصادر الطاقة ستنقطع.
هل ثمة رابط بين تلك التحذيرات كلها؟
هل ثمة أمر مقصود؟
(2)
الخوف هو أفضل وأقوى سلاح لهم.
ولأننا صدَّقناهم من أن القادم أسوأ، فعلينا إذن القبول بالأمر الواقع مهما كان سيئًا.
ولنستسلم لما هو عليه الوضع، لا نحتج ولا نتمرد ولا نثور، إنما نرضى بما هو قائم مهما كان سيئًا.
ولنترحم على ديكتاتوريات انهارت، ولنرضى بديكتاتوريات قامت.
ولنقبل بأي قرارات وقوانين يفرضونها علينا؛ فنحن في حالة استثنائية، والقادم -على حد قولهم- أسوأ.
ولنتوقف عن المقاومة؛ فإذا كنَّا لا نستطيع هزيمة العدو ونحن على هذه الحالة، فكيف نهزمه عندما نكون في وضع أسوأ؟
ولأننا خائفون جدًّا، فإننا لن نستطيع التفكير، ولن نتمكن من توحيد صفوفنا، وليسعَ كلٌّ منَّا إلى النجاة منفردًا بنفسه؛ فالقادم أسوأ.
ولأننا خائفون جدا، فلا مجال الآن للحديث عن العدل والمساواة وحرية التعبير.
ولندع مسألة أحلامنا الشخصية جانبًا؛ فالوقت غير مناسب.
وهكذا يتسنى للأعداء أن ينتصروا.
(3)
الأعداء هنا ليسوا فقط هؤلاء العسكر، أو الساسة، أو تلك الأنظمة المستبدة.
الأعداء أحيانًا هم أنفسنا!
ثمة جانب مظلم في نفوسنا يحبطنا، ويخوِّفنا، ويعرقل مسيرتنا.
وهو أشد تأثيرًا؛ لأنه بداخلنا.
وهو أشد تأثيرًا؛ لأننا لا نراه.
عندما يتملكك الخوف فلن تفعل شيئًا، ولن تقدم على شيء، وستدفن أحلامك، وسيكون كل همِّك أن يمرَّ اليوم على سلام، وفي اليوم التالي ستكتشف أنك في حالة أسوأ بالفعل؛ لأنك لم تُنجز شيئًا بالأمس، فيزداد خوفك، وسيفرح هذا الذي بداخلك، وسيخبرك: ألم أقل لك؟
ويزداد خوفك، وتتفاقم حالتك.
شخصيًّا، فإن أحلك مراحل حياتي هي تلك التي تملكني الخوف فيها، وسيطر على تصرفاتي.
وأشدها بهجة تلك التي تخلصت فيها منه.
الخوف عدو جبار، يثير الشك والهواجس في نفسك، ويزيد وساوسك.
تظن أن كلَّ ما تشعر به إنما هو نذير لمرضٍ أصابك سيعلن عن نفسه قريبًا.
تشك أن كلَّ تصرف ممن حولك إنما يدبر لك شيئًا.
الخوف وحش مخيف يلتهمنا التهامًا.
لقد صدق فرانسيس بيكون -الفيلسوف الإنجليزي الشهير، المتوفى عام 1626- حين قال: “إن المعركة الأشد ليست ضد الأعداء الذين يقفون في مواجهتنا، بل ضد الخوف فينا”.
(4)
ليس عيبًا أن نخاف؛ فالخوف يظل مشاعر طبيعية، لكن العيب كل العيب أن نسمح لهذا الخوف بالسيطرة علينا، والنتيجة أن نصبح أسرى له، لا حول لنا ولا قوة، فنعيش في عالم غير حقيقي، نحيا في كذبة كبرى، حتى إذا مرَّ عمرنا اكتشفنا أن معظم مخاوفنا لم تكن حقيقية.
الفوز هو أن نحرِّر عقولنا من الوهم والخوف.
أن نتحلى بالشجاعة اللازمة.
ألا نكترث بأسوأ السيناريوهات المحتملة.
أن ندرك أنه حتى الفشل ليس إلا جزءًا من رحلتنا نحو النجاح.
وعندما تعود بالذاكرة إلى الوراء في نهاية رحلتك ستضحك من نفسك: لماذا انتابك الخوف من النهايات وأنت كنت ما زلت في البدايات؟
رحم الله نجيب محفوظ وهو القائل:
الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة.
(5)
لا يبقى المرء على حال، حتى قناعاته قد لا تحميه أحيانًا من أن يقع في نفسه بعض الخوف، وكلما مررت بهذه الحالة تذكرت ما كتبته رضوى عاشور في ثلاثية غرناطة:
من بين كل صحابته اصطفى الرسول خالد بن الوليد؛ ليحمل رسالته إلى المهلهل، قال النبي صلوات الله عليه: يا أخي خالد، إذا طلعت جبلاً فاذكر الله، وإذا مررت بواد فكبِّر الله، وإذا فطر الحزن قلبك فاتلُ من القرآن؛ فإن القرآن شفاء للصدور المحزونة، وإذا بلغت هؤلاء القوم فلا يدخل قلبَك الفزع ولا الخوف منهم.
صحيح فعلاً:
استعن بالله وتذكر أن الخائف محروم من النصر.
الخائف لا ينتصر أبدًا.