(1)
ترى ماذا كان شعور “كليفورد مايكل” وهو يحزم حقائبه في عام 1972، بعد أن أقنع زوجته ماري أن ينتقلا وابنتهما “إيميلي” من ولاية كاليفورنيا حيث يعيشون، إلى ولاية ألاسكا -بمناخها الصعب- بحجة البحث عن الذهب؟
هل كان مجنونًا أم جامحًا؟
هل كان ضحية حكايات جدِّه عن المغامرات، أم أنها كانت حافزًا له؟
أو ربما هو حلم مواطن أمريكي عادي -يعمل مهندسًا- أراد أن يتبع قلبه ويبحث عن الكنز؟
لا أظن أنه أنصت كثيرًا لتلك الأسئلة التي رماه بها أقاربه وأصدقاؤه وجيرانه، لقد أخذ قراره وانتهى الأمر، لا شيء يُرضي الناس، وبعضهم لا يملك إلا الإحباط، صحيح أن الفشل وارد، لكن خوض المغامرة -في حد ذاته- نجاح.
(2)
يصل وعائلته إلى ألاسكا، يواجهون ظروفًا مناخية صعبة، وفترات طويلة من الظلام الشديد، وصعوبات مالية، تجعلهم يعيشون في كوخ خشبي بسيط بدون تدفئة كافية، وفي ليلة باردة تصاب ابنته “إيميلي” بحمى شديدة، يُجن جنونه وهم بعيدون عن أي مساعدة طبية، غير أن الله لطف بها وبهم.
يتعرف “كليفورد” على جاره “جورج”، عجوز تقاعد عن مهنة البحث عن الذهب، التي امتهنها لأكثر من 30 عامًا، وهو لا يبخل عن تقديم نصائحه لصاحبه الجديد “كليفورد”، بل ويشاركه وعائلته بعضًا من مؤونته، مما أضفى دفئًا على حياة “كليفورد” وعائلته الباردة.
تمر سنوات من الجهد دون نتيجة، غير أن صاحبنا يتمتع بقدرة عجيبة على المثابرة، إلى أن يحل صيف عام 1976، وفي يوم مشمس ونادر في ألاسكا، وبينما كان يعمل على ضفاف نهر “كوجروك”، بيديه المجروحتين والمكدومتين من الحفر المستمر، ووجهه المغطَّى بالغبار والعرق، وبشعور بالإرهاق الشديد، وقع ما كان يحلم به.
كانت الساعة تقترب من الغروب، و”كليفورد” يفكِّر في العودة إلى كوخه، وبينما كان يغسل آخر مجموعة من الحصى في النهر بمقلاة الغسل، لاحظ بريقًا غريبًا.
توقَّف قلبه لوهلة، جمع كل طاقته، وأخذ نفَسًا عميقًا قبل أن يغمر المقلاة في الماء مرة أخرى ويهزها برفق وببطء، بدأت الرمال والحصى تنفصل، وتبقى قطعة صغيرة لامعة في القاع، رفعها بحذر إلى ضوء الشمس المتبقي، وعيناه تلمعان بالدهشة، كان ذلك بريق الذهب الحقيقي.
لم يستطع كليفورد تمالك نفسه، فاندفع -بفرحة طفولية- يصرخ ويقفز، وينادي بأعلى صوته زوجته “ماري” وابنته “إيميلي” اللتين كانتا في الكوخ القريب، وللتو هرعتا إلى النهر، ورأتا “كليفورد” واقفًا هناك، ووجهه متلألئًا بالفرح وهو يمسك قطعة الذهب الصغيرة في يده.
انهارت “ماري” بالبكاء، بينما قفزت “إيميلي” في حضن والدها، تحتضنه بقوة، كانت تلك اللحظة تجسيدًا لكل الجهود والأحلام التي عاشوها معًا.
كانت تلك القطعة الصغيرة من الذهب ليست فقط بداية لثروة مادية هائلة، بل رمزًا لانتصار الإصرار والعزيمة، وتأكيدًا أن الأحلام يمكن تحقيقها بالصبر والعمل الجاد.
كانت اللحظة مشبعة بالعواطف، حيث اجتمع أفراد العائلة في حضن واحد، وعرفوا أن رحلتهم لم تكن عبثًا.
(3)
يراودني سؤال قبل أن ننهي حكايتنا، هل بحثت أنت عن كنزك؟
“الكنز الحقيقي بداخلك”، ليست هذه عبارة حماسية خيالية غير واقعية، ولكنها الحقيقة إن شئت أن تعترف بها.
تمامًا كما اكتشف “كليفورد” الذهب مدفونًا في الأرض، يمكن لكلٍّ منا أن يكتشف الكنوز المخبأة في داخله.
قد تكون هذه الكنوز مواهب، أو شغفًا معينًا لم نكتشفه بعد، أو قدرات خاصة يمكن أن تغيِّر حياتنا وحياة الآخرين.
في رحلة البحث في النفس، وعما يختبئ داخلنا ولا نعرفه، كل ما على المرء أن يؤمن بنفسه، يؤمن أن الله -تعالى- لم يخلقه عبثًا، وأن عليه مهامًّا في هذه الحياة الدنيا منوط بتحقيقها، وأن المولى منحه قدرات وإمكانات ومواهب من الضروري اكتشافها.
لا ينال الناس مرادهم إلا من يثابر منهم ويصبر في مهمته؛ فالأمر ليس أن تجلس ساعة برفقة فنجان قهوتك وتفكِّر وتصل إلى ما تريد، لكنه التفكير العميق، والبحث عن الدعم من المحبين، واستغلال كل الفرص المتاحة، ثم ما إن تكتشف كنوزك، لا تكنزها لنفسك؛ استفد بها أنت، وأفد بها مَن حولك.