علامة استفهام 12: أنت شخصيا.. هل نسختك قديمة أم محدثة؟
(1)
تخيّل أنك ترافق شخصاً ليل نهار لثلاثين أو أربعين أو خمسين عاماً؛ ألا تمل منه، حتى ولو كان رائعاً فاضلاً؟ تخيّل أن هذا الشخص هو أنت، وأنت لم تتغير لثلاثين أو أربعين أو خمسين عاماً.
(2)
قد تكون في أوج صحتك الجسدية إلا أن روحك متعَبة، تشعر بالملل مهما كانت الأحداث حولك صاخبة، لا شيء يدهشك، على وجهك كل ملامح الكهولة وكأنك بلغت مئة عام، وإذا رغبت في أن تسأل مختصاً في ذلك فسوف يجيبك: ألم تعلم أنه من الخطر العظيم أن تظل نفس الشخص طوال الوقت؟
(3)
أنت لا تستطيع التنازل عن نفسك، عن هويتك ومبادئك، عما تحب وعما تكره، لكن بوسعك أن تعاود التفكير فيها كلها. فإن لم تفعل فهذا يعني أنك قمت بسجن نفسك في زنزانة ضيقة لا تغادرها أبداً، قد تتحرك بها فتخرج وتقابل الناس، وتؤدي عملك وتمارس حياتك اليومية، لكنك في النهاية حبيس هذه الزنزانة التي أطبقت على نفسك وأنت لا تدري.
زنزانة من العادات والتقاليد التي تلزم نفسك بها، أنت لست سعيداً بها، ولا تعرف سبباً لأن تلتزم بما أقره أجداد أجدادك، لكنك لا تجرؤ على التخلي عنها أو تغييرها.
زنزانة من الروتين الشخصي الذي فرضته على نفسك، من عادات يومية ونظام لا تغيره أبداً، في الصباح تفعل كذا وفي المساء تفعل كذا، وفي عطلة نهاية الأسبوع تفعل كذا.
لا بأس أحياناً بالروتين فهو يحافظ على أدائك اليومي، لكن إن لم تكن قادراً ولو نفسياً على تجاوزه وتحطيمه من وقت لآخر، فأنت إذن أسيره.
زنزانة من المعارف الذين تخشى أن تتخلى عمن يزعجك منهم، ويسبب لك التوتر، ويثير أعصابك، وتخشى -في الوقت نفسه- أن تضيف إليها من هو خارج دائرتك، ورغم أنك عن بُعد تلمح بعض الشخصيات الرائعة فإنك لا تجرؤ على أن تتقرب منها أو إدخالها ضمن دوائرك الشخصية.
أن تكون نفس الشخص طوال الوقت فهذا يعني أنك لون واحد، أنت لست قوس قزح، أنت أحادي المزاج والتفكير، لا تحاور نفسك، ولا تقبل برأي آخر مخالِف.
أن تكون نفس الشخص طوال الوقت يعني أنك أهدرت كل تجاربك، لقد خضتها بضراوة لكن لم تنتفع منها، لم تستفد من خسائرك ولا مكاسبك، لم تخبرك واحدة منها أنك على خطأ ويجب أن تغير طريقتك، أو أنك على حق ولكن تحتاج تعديل الدفة قليلاً.
(4)
التغيير مهمة صعبة، ونحن بفطرتنا ندرك ذلك، لذا فإننا نلجأ إلى مطالبة الآخرين بالتغيير، دون أن نفعل نحن ذلك مع أنفسنا، رغم أننا تقريباً نحفظ هذه الآية عن ظهر قلب: “إن اللهَ لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسِهم”.
التغيير هو أن يراجع المرء نفسه، أفكاره، شخصيته، هويته، ثم يُبقي على ما يراه، ويتخلص بشجاعة مما تبقّى، يغير طرائق حياته حتى يعود الدم فيتدفق في عروقه غزيراً، وتعود الأفكار إلى رأسه، والبهجة إلى قلبه.
إن العالم من حولنا يتغير بسرعة فائقة، وتقنياً نحاول مجاراته بكل الوسائل، ورغم ذلك فإننا متمسكون بالنسخة القديمة من طرازنا، من شخصياتنا التي عهدناها منذ زمن بعيد، ربما منذ أن بدأنا ندرك أنفسنا.
إذا كنت تشعر بحاجتك إلى التغيير لكنك لا تستطيع فعل ذلك، فثمة أمل في أن تتمكن من ذلك ذات يوم، لكن إذا لم تكن تشعر بالأساس بأن هناك أي داعٍ للتغيير فتلك هي الطامة الكبرى.
إذا كانت هناك ضجة داخلك تكاد تسمعها مثل أصوات معدتك عندما تصاب باضطرابات معوية، فهذا فأل حسن، ثمة أمل، عليك معالجة الأمر، عليك أن تحسن استخدام وتوظيف هذه الضجة لتخرج في أبهى صورها، ربما حتى عليك أن تسأل عارفاً بالأمور، كما كنت تسأل الطبيب عندما تنتابك اضطرابات معدتك.
أنت خائف صحيح؟ خائف أن تُقدم على الخطوة الأولى، خائف أن تدفع ثمن التغيير، لكنك في نفس الوقت لا تنتبه إلى أنك تدفع ثمن جمودك.
(5)
ثمة وصفات قرأت عنها يمكن أن تساعدنا إذا ما قررنا أن نُحدث تغييراً في حياتنا، هذه الوصفات بمثابة محفزات تدفعنا لاحقاً إلى التغيير، وليست هي التغيير في حد ذاته.
مثلاً محاولة اكتساب مهارة جديدة، أي مهارة، أو تعلم لغة إضافية، أو تجربة الخروج للصيد، أو إحياء هواية قديمة ماتت تحت عبء الحياة اليومية ومتاعبها.
أو مثلاً تغيير عاداتنا اليومية، وطرق قضاء عطلة نهاية الأسبوع، الذهاب إلى أماكن جديدة، اكتشاف مقهى آخر، أو حديقة عامة لم نهتم بها، أو مكتبة سمعنا عنها وتمنينا زيارتها ولم نفعل.
مجدداً هذه الأمثلة ليست هي التغيير المنشود، وإنما هي بمثابة محفزات، لنخرج من تلك الشرنقة التي نحيط أنفسنا بها، وحتى ندرك أن هناك عوالم أخرى مختلفة قد تكون أجمل، هي بمثابة كمين لأفكار ستهبط علينا حتى نمسك بخيوط التغيير المطلوبة، وطرائقها.
في مواجهة ذلك سنجد الكثير من المحبطات، أولها نفوسنا التي لن ترحب بفكرة الخروج من منطقة الأمان والراحة التي تعيش فيها، لذا ستوعز لنا بألف سبب، سيكون أولها أننا في فترة حظر.
أما الحظر فإنه يتهاوى، وأما الظروف فسوف تظل قائمة وإن اختلفت مسمياتها، دائماً ستكون هناك ظروف صعبة للتغيير، وأما حقيقة الأمر فهي أننا إن رغبنا فسنفعل، ولدينا القدرة على ذلك مهما أنكرنا، هذا القرار تحديداً بيد كل واحد منا، وإن لم يفعل فلا يلومنّ إلا نفسه.