علامة استفهام 28: هل شاركت اليوم في رشقة إلكترونية؟
لدينا قناعة كاملة بمبدأ “كل شيء أو لا شيء”، إذا وقعت الواقعة نبحث عن حل شامل، عن عمل ما نقوم به فتحل المشكلة كلها، فإذا لم يكن بوسعنا ذلك – أي القيام بهذا العمل العظيم – فإننا نركن إلى السكون، ونردد “ليس بأيدينا شيء”، فنعفي ضمائرنا من أي شعور بالتقصير، فالأمر خارج عن إرادتنا.
تخيل النتيجة لو أن كل الذين حاربوا مستعمريهم الأقوياء وانتصروا عليهم قبلوا ابتداءً بهذه الفكرة..
وتخيل النتيجة لو أن كل هذه الملايين من أحرار العالم، كل واحد فيهم على حدة فعل شيئًا ما، شيئًا صغيرًا جدًّا يستطيعه..
القصة معروفة، عندما اندلعت الانتفاضة الأولى قال المُثبِّطون المرجفون: ما جدوى الحجارة؟ هل تُحَرِّر فلسطين؟ وعندما انطلقت الصواريخ قيل: وما جداوها؟ إنها لعب أطفال. وعندما أرغمت سبعين بالمئة من المحتلين على النزول إلى الملاجئ قالوا: وما جدوى حرب تفقدنا تعاطف الرأي العام؟
المثبطون يستمرون ولا ييأسون، يتقدمون خطوةً، إنهم يقولون لنا الآن: وما جدوى التغريد؟ وما جدوى الكلمة؟ وما جدوى الصورة؟ وما جدوى الرسمة؟ وما جدوى الأغنية؟ وما جدوى الفيلم؟
دورهم يؤدونه بإخلاص شديد؛ إحباط الناس، وإشعار الفرد بأنْ لا قيمة أبدًا لما يمكن أن يقوم به، معتمدين على ما فعله حكامنا في نفوسنا من قبل وعلى مدار عقود، عندما نزعوا منا الشعور بأهمية الفرد وقدرته على التغيير.
حتى أصحاب النوايا الحسنة يشاركونهم للأسف نفس المهمة، إنهم يقولون: “إلى فلسطين طريق واحد يمر بفوهة بندقية”، لكن إذا لم يكن بوسعنا امتلاك بندقية ماذا نفعل؟
أي جيش يحتاج إلى قوات داعمة تُؤمِّن له احتياجاته، وهذا هو ببساطة الدور الذي يمكن أن تقوم به، فالذي يقاتل من أجل قضيته العادلة في حاجة إلى ماكينة إعلامية تشرح لعموم المجتمع الدولي العدوانَ الذي وقع عليه، وحقَّه في الدفاع عن أراضيه وتحريرها.
المحتلون في فلسطين ومنذ أن وطئت أقدامهم أرضها يدركون دور الكلمة وأهميتها في غسل مخ الناس، وتزييف التاريخ، وتغيير الواقع، لذلك أنتجوا مئات الأعمال الإعلامية والأدبية والفنية التي تساعدهم في ذلك، أعمال صورت الكيان كحَمَلٍ وديع بين الذئاب، وقبل أيام التقى قادته بممثلي منصات التواصل الاجتماعي، يحثونهم على الحد من نشر “الكلمة” التي تفضحهم، ونحن لا نزال حائرين متسائلين عن جدوى الكلمة.
نحن إن فعلنا وخاطبنا المجتمع الدولي، فإننا لا نستهدف المؤسسات الرسمية الدولية، وإنما النقابات واتحادات الطلبة، والأهم عامة الناس، عامة الناخبين الذين سيختارون في انتخاباتهم المقبلة من يتوافق مع قيمهم المعلنة من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وغيرها، نستهدف هؤلاء العمال الإيطاليين الذين رفضوا قبل أيام تحميل سفينة أسلحة متجهة إلى الكيان الصهيوني.
المطلوب كلمة ذكية تعرف كيف تخاطب الآخر، تغازله وتشرح له بلغته قضيتنا، ولا أقصد بلغته ما ينطق به لسانه، لكن الطريقة التي يعمل بها عقله.
فلسطين قضيتك الدينية أو الوطنية أو الإنسانية هذا شأنك، هذه نيتك، لكن ناشد الآخر من منطلق الأرض المحتلة، الأرض المسروقة التي يجب ردها إلى أهلها.
ولن يتحقق ذلك بين يوم وليلة، ولكن يحتاج إلى أجيال؛ لأنه فعل تراكمي، ولا يستطيعه إلا المخلصون.
العصابات التي احتلت فلسطين وجهت شبابها هذه الأيام إلى غزو المنصات الصوتية الحوارية، لتشرح للآخرين قضيتهم، ولتسرق عقولهم كما سرقت أرضنا، فيما نحن مشغولون بالحديث إلى أنفسنا في حفلة بكاء جماعية.
نحن نرتكب حماقةً عندما نستهجن التعاون مع من نرى أنه لا يؤمن بكل ما نؤمن به، هكذا نريد للآخرين أن يتحولوا كليةً إلينا، لا نقبل منهم نقصًا أو اختلافًا، نرفض فكرة خط التماسّ، هذا الذي يمكن أن نلتقي عنده مع من لا يشبهوننا.
نتحجج بأننا لا نجيد لغة الآخرين، فيما بوُسعنا – مثلًا – أن نرسل إليهم بصور تشرح ما يجري في فلسطين.
أيها الساكن تحرَّكْ، لا عذر لك والعالم كله يتحرك الآن على وقع “الأون لاين”، لست في حاجة لأن تكون صحفيا ماهرًا، وخطيبًا مفوهًا، الآلاف الذين يدلون بدلوهم على المنصات لم يتعلموا مهنة الإعلام ولم يدرسوها، لكنهم يخوضون تجاربهم الخاصة وفق إمكاناتهم.
أيها المنتظر لقرار من نظامك السياسي أو من قائدك، تحرَّكْ أينما كنت، كلِّمْ زملاءك في العمل، أصدقاءك في المدرسة، جيرانك في البيت وفي الشارع.
أيها الصامت قمْ بدورك، ليس من باب الشفقة والمساعدة، وإنما من باب أن تنقذ نفسك، أن تحترم ذاتك، أن تكون وفيا لمبادئك، واعلمْ أن صمتك هو أمنية الظالم.
أيها الناشط على كل المنصات، ثمة معركة إلكترونية تدار من خصومك، ثمة انتفاضة إلكترونية يجب أن تجري على قدم وساق، لا عذر لك إن قعدت عنها، واجه الصعوبات بإبداعك، تحايل والتف على كل ما تواجهه من عقبات، قم وابتسم وأنت تشارك في رشقة إلكترونية.