(1)
يخشى الناس الهزيمة، حتى إنهم لا يخوضون في مشروع جديد أو مغامرة يتمنونها مخافة أن تلحق بهم الهزيمة، يلتمسون الأعذار لأنفسهم، ويلزمون السكون، فتتجمد حياتهم، ويراوحون مكانهم، وبذلك يُهزمون.
(2)
الحياة سلسلة من الحروب، ما إن تخرج من واحدة حتى تخوض أخرى، وهكذا إلى أن تنتهي الحياة، وكلما أدركنا ذلك مبكرًا، كلما اختصرنا على أنفسنا جهدًا كبيرًا، وتفادينا عثراتٍ عديدة، وهيَّأنا أنفسنا لطبيعة حياتنا.
وفي الحروب لا أحد ينتصر دائمًا، حتى وإن كنت صاحب حق، حتى وإن كنت قويًّا، إنها سنن الحياة، فلا تبتئس إذا هزمت.
تخوض معركة الدراسة، فإن انتهيت منها بدأت في معركة العمل، فمعركة الأسرة، وفي ظلال هذه المعارك تفتح الدنيا عليك معارك أخرى، إلى أن تصل إلى معركة الشيخوخة.
ثمة معارك تُفرض علينا فرضًا، علينا حينها مواجهتها بكل ذكاءٍ وشجاعة.
غير ذلك: علينا أن نختار معاركنا بدقة، فنحن نعيش مرة واحدة، والزمن يجري، نبلغ الثلاثين فنقلق، نصل إلى الأربعين فنسأل أنفسنا هل فعلًا عشنا كل هذه السنوات على الأرض؟ وماذا فعلنا فيها؟ ومع كل عقد تزداد المفاجأة، مع الخمسين ثم الستين إلى أن يشاء الله.
عندما نكبر، ونبدأ في شق طريقنا، نرى غبار معارك الأسبقين، فنتخيل أن معاركهم يجب أن تكون هي معاركنا، والحقيقة أنها قد تختلف، فلكل زمن طبيعته الخاصة، بل لكل شخص معاركه التي تلائمه، لذا ينبغي ألا ينظر أحدنا إلى من سبقه فيقلده، ولا إلى من بجانبه ويفعل مثله.
نعم، علينا أن نختار معاركنا بدقة، فليس كل الحروب تستحق خوضها، وليس كل التضحيات تؤتي أكلها. واختيار المعركة التي تناسبنا، أمر ليس سهلًا، فالغنائم التي تلوح لنا من بعيد، تغرينا بأن نخوض المعركة من أجلها، ثم قد نكتشف حقيقتها لاحقًا، ونعرف أنها ليست كما كنا نتخيل.
(3)
أوَيهزم المرء؟
نعم، بل من الطبيعي في مسار حياته ومعاركه التي لا تحصى أن يهزم مرة، بل أكثر من مرة.
يهزم إذا لم يحسن اختيار المعركة بدقة، وتورط في معارك جانبية، لا تغني ولا تسمن من جوع.
يهزم إذا خاض واحدة لا تحقق هدفه، صحيح قد يفوز بها، لكنه يكتشف أنها لا توصله إلى ما كان يريد.
يهزم إذا اختار معركة لا يناسبها سلاحه، فمن المهم أن يعرف ماذا يجيد، وما الذي لا يجيد، ما الأدوات التي يحسن استخدامها، وما التي لا يحسن استخدامها.
يهزم إذا أساء الحسابات، إذا لم يُقَلِّب الأمور يمنة ويسرة، فوق وتحت، ويضع «سيناريو» لكل حالة، بل يرسم خطة الانسحاب إذا اضطر لذلك.
يهزم المرء هزيمة قاسية، إذا لم يخض معركته بروح معنوية عالية، مؤمنة بمعركتها، واثقة من انتصارها.
يُهزم إذا خاضها بروح مترددة، منهزمة، خائفة.
(4)
لن نُجَمِّل الهزيمة، فهي أمر سيئ ومؤلم..
لكن الأمر ليس كما يبدو..
الهزيمة تكشف لك نفسك، معدنها، ثباتها وقت الشدة، من معك يساندك ممن حولك، ومن ضدك، من المخلص، ومن الخائن، من قَبِلَك في كل أحوالك، ومن تخلَّى عنك.
الهزيمة ليست في عثرة نسقط منها، الهزيمة الحقيقية هي الاستسلام، ما دمنا نقاوم فإن الأمر لم ينته بعد.
أتعلمون أن علينا التعامل في الدنيا كما يتعامل لاعبو الكرة في مبارياتهم، في حال هزيمتهم يحزنون، لكنهم يصافحون الفائزين بروح رياضية عالية، ثم يصرفون جهدهم للاستعداد للجولة المقبلة.
قال الحكماء: لا تأخذ الدنيا على محمل الجد. يبدو أن هذا كان مقصدهم، اسألوا كبار السن، فمنذ أن وصلوا إلى عمرهم هذا وهم ينظرون إلى الحياة من عل، يكاد يرى الكبار كل شيء على حقيقته، يسخرون من أنفسهم عندما يعودون بذاكرتهم إلى الوراء ويتذكرون هزائمهم وأحزانهم، وما اعتبروه في حينه نهاية الحياة.
ها هم يكتشفون أن الأمور ليست هكذا.
ومن ثم علينا ونحن صغار أن نبذل جهدًا كبيرًا لنرى الأمور على حقيقتها وبأحجامها الطبيعية، فلا نبالغ في تضخيمها.
(5)
وإذا هزمنا، فماذا نفعل؟
نستقبل الأمر ببساطة!
فكل هؤلاء الناجحين حولنا هزموا ذات يوم قبل أن ينتصروا اليوم ويتربعوا على عرش انتصاراتهم.
اسأل العم جوجل، فهو ملآن بحكايات عن رجال أعمال وأثرياء وفنانين ولاعبي كرة وعلماء وأدباء، تعثروا كثيرًا في حياتهم، إلى أن حقَّقوا ما أرادوا.
أولًا: لا تلُم نفسك، لا تجلدْ ذاتك، حتَّى وإن كنت قد أخطأت، لا بأس، كلنا نخطئ، ليس منا على وجه الأرض من لا يتعثر أو «يحسبها غلط» أو يفشل.
لملم شتاتك واستعد للوقوف مرة أخرى، لتخوض المعركة من جديد.
حدد أسباب الفشل بدقة، الأخطاء التي وقعت فيها، القرارات الخطأ التي اتخذتها، أو حتى الظروف الخارجة عن إرادتك التي وقعت لك ولم تكن في حسبانك.
ثم لا يمكن أن تبدأ من جديد من نفس النقطة التي بدأت منها المرة السابقة، وإلا فلا تنتظر نتائج مختلفة.
نعم الكلام سهل، والتطبيق صعب، لكن هذا بالتحديد الذي يصنع الفرق بين الناس، بين الذي يجد صعوبة في أن ينهض من جديد، وذلك الذي يتمتع بإرادة فولاذية.
أتعرفون؟! عندما يمر الواحد منا بظروف تجعله بين الحياة والموت، مثل حادث أو حريق أو غرق أو ما شابه، فإنه يبذل جهدًا عظيمًا لينجو بنفسه، وبعد أن ينجح يندهش كيف استطاع ذلك، وفي الأحوال العادية لو سألته هل تستطيع القفز مثلًا أو تستطيع كذا لأجاب نافيًا. لكنَّ محنته فجرت فيه قواه الخفية. وهذا هو المطلوب تحديدًا، أن تكتشف قواك الخفية، القادرة على تحويلك من خانة المهزوم إلى خانة المنتصر.