(1)
“الرُّوح ينطفئ تارة من داخل، وتارة بسبب من خارج، وإذا انطفأ الروح أظلم البدن كله وفارقته أنوارُه”.
الإمام الغزالي
يا صاحبي، هل سبق ومرت بك تلك الحالة؟
تفقد شهيتك لكل شيء: للعمل، للراحة، لنفسك، للعائلة، للترحال، للبقاء، للنوم، لليقظة، لكل ما حولك ومن حولك، لا طاقة لك، ولا همة، ولا لذة، تعيش الروتين، تؤدي واجباتك بتثاقل شديد، لا يحركك إلا التزامات مجبر عليها، تستيقظ بصعوبة، وتنام بقلق، تندهش عندما ترى بعضهم يضحك، تسأل نفسك كيف يفعلون ذلك؟ وذلك ربما ما قصده الإمام حين تحدث عن الظلام الذي يحل على البدن كله.
(2)
“إن الروح تُظهر كل عظمتها الحقيقية في الملمات الكبرى”.
ساراماجو
ألفُ سبب يمكن أن يؤدي بنا إلى هذه الحالة من انطفاء الروح وظلام البدن، لكن خيباتنا هي أكثر ما يصيب أرواحنا في مقتل، تلك المصائب التي تلم بنا، تلك الكوارث التي تسقط علينا فجأة، تلك الأحلام التي تنهار كقطع الدومينو.
المشكلة ليست في الخيبات، المشكلة أننا مخلصون جدًّا لها، فعندما تقع لا نفكر في غيرها، تشغل هي بالنا وأحوالنا، نؤجل بسببها كل مشاريعنا التي قضينا أعمارنا نخطط لها، نتوقف عن المضي في طريقنا، بل نعتبرها نهاية الحياة، لا عيش لنا بعدها، مثل الزوج الذي يفقد زوجه، فيقرر عدم الزواج مرة أخرى.
تصيبنا الخيبات فنعلن الحداد، نقتل ضحكاتنا، نخنقها خنقًا، وإن تسربت واحدة نكتمها على عجل، نسمح لليأس بأن يعتلينا اعتلاء، نرحب به وهو العدو، نفسح له مكانًا في عقولنا وأفكارنا، نعتبره قدر الله الذي لا يرد.
نتجاهل فكرة أن نجعل من خيباتنا نقطة انطلاق جديدة، وأن نحيل الهزيمة انتصارا، أن نقلب المائدة رأسًا على عقب، لذا فقد صدق الروائي البرتغالي الشهير في أنك لا تعرف قدرات روحك في أوقات الرخاء، إنما تعرفها في أوقات الشدة.
(3)
“احذرْ أن يمرَّ بك العمرُ دون أن تعرف من هو بداخل روحك، من لا يفارقك أبدًا”.
جلالُ الدين الرُّوميُّ
إدارة الأزمات فن لا يتقنه كُثُرٌ منا، وانطفاء الروح أزمة ما بعدها أزمة، بل هي أم الأزمات، فكيف ستدير أمرها وأنت لا تعرف روحك؟ ولكن هل فعلا يمكن أن نقول: إننا لا نعرف أرواحنا؟! نعم صحيح، نحن نعيش معها لكننا لا نعرفها، كجار قديم لنا، نعرف اسمه وشكله، لكن هذا لا يعني أننا نعرفه حق المعرفة.
وهذا “الرومي” يدلنا على مفتاح المفاتيح حين يقول: “أنت لست هذه البشرة، أنت لستَ هذه الملامح، ولكنَّك الروح التي تسكنهما، إن تكن تبحث عن مسكن الرُّوح فأنت روحٌ، وإنْ تكن تفتِّشُ عن قطعة خبز فأنت الخبز، وإن تستطعْ إدراك هذه الفكرة الدقيقة فسوف تفهمُ أنَّ كل ما تبحث عنهُ هو أنت”.
(4)
“خفة الروح تعكس نمط حياتك الجميل والسليم، اترك كل طعام لا يخدم جسدك، وانزع كل شعور لا يسعد قلبك، واهجر كل فكرة ترهق عقلك”.
القائل مجهول
صدَّعت رؤوسنا.. هل لديك حلول عملية؟
أجيبك..
نحتاج أحيانا إلى صدمة، صدمة وليس مصيبة، صدمة كالتي يقوم بها الطبيب لإنعاش قلب مريض، صدمة تهدم كل تلك الحوائط البالية، وتعيد دفق الدم، صدمة تختارها أنت بنفسك.
قم بعمل جديد لم تقم به من قبل أبدا، تجربة جديدة، شيء تخوضه لأول مرة في حياتك، لا يمكن أن يمضي عمرك وأنت تفعل نفس الأشياء كل يوم، سنوات تمضي وأنت تؤدي نفس الأمر.
المصلي يلجأ إلى تغيير أدعيته، والآيات التي اعتاد تلاوتها، حتى يخرج من هذا الروتين، فيزداد تركيزه وتأمله، وتصبح للعبادة روح جديدة.
ابحث عن نفسك الحقيقية تحت هذا الركام الذي فرضته الحياة اليومية عليك، حطم القيود التي فرضتها على نفسك ولو مؤقتا، جرب الخروج عن المألوف، ليس بالضرورة أن تبقى محتفظا بصورة الرجل الجاد الحكيم المتزن، اضحك أو ابكِ بالطريقة التي تحلو لك.
السفر هو الروشتة التي أصفها لكلِّ من يسألني دواء، السفر إلى بلد آخر، أو حتى إلى مدينة أخرى، أو ربَّما حيٍّ آخر.
عش العزلة لفترة مؤقتة، عزلة غير تلك التي تفرضها كورونا، عزلة بمعنى الانقطاع تماما لفترة عن أي شكل من التواصل مع الناس، تبقى وحدك مع نفسك، هل يمكن أن ينقضي العمر وأنت لم تنفرد بنفسك؟! أمعقول أنك تفرغ وقتا للآخرين، ولا تمنح نفسك بعض الوقت؟!
لماذا لا تحيي شغفك من جديد، تلك الأحلام التي وأدتها الظروف، هي لم تمت يا صاحبي، هي موجودة هناك تحت الركام، تنتظر أن تنقذها، أن تزيله عنها، دعها تنهض من جديد.
أبحث عن طاقة نور في أي مكان، انظر إلى الأشياء كأنك تراها لأول مرة.
أو ربما أنت في حاجة إلى حب، حب يعصف بك، يقلب كيانك، ويخرجك مما أنت فيه.
هل قرأت هذا المقطع في “قواعد العشق الأربعون”:
“حياتك حافلة، مليئة، كاملة، أو هكذا يُخيَّل إليك، حتى يظهر فيها شخص يجعلك تدرك ما كنت تفتقده طوال هذا الوقت. مثل مرآة تعكس الغائب لا الحاضر، تريك الفراغ في روحك، الفراغ الذي كنت تقاوم رؤيته. قد يكون ذلك الشخص حبيبًا أو صديقًا أو معلمًا روحيًّا. وقد يكون طفلًا يجب إحاطته بالحب والرعاية”. المهم هو أن تعثر على الروح التي تُكمّل روحك.
(5)
“الروح تعرف دومًا ما يجب عليها فعله لتتعافى، والتحدي دائما هو ترويض العقل”.
كارولين مايس
لا أظن أني في كل ما كتبت قد أتيت بجديد، ولكن التحدي فعلا – بحسب ما تقوله لاعبة التنس البلجيكية – هو ترويض العقل ليصدر أوامره إلى بقية الأعضاء للعلم والتنفيذ، اعتن بروحك يا صاحبي كما تعتني بنفسك، كما تعتني بصحتك، كما تعتني بمظهرك، الفارق أن هذه كلها ستزول، وستبقى روحك.