علامة استفهام 17: ماذا تعرف عن ألغاز الحب؟
(1)
لا أعرف ما الذي دفع مجموعة من الشباب السوريين أن يختاروا كاتباً صحفياً عرف عنه أنه معني بأخبار الحروب والأزمات ليكلمهم عن الحب.
هل ثمة مقاربة بين الحب والحرب؟
كان صعباً أن أرفض باعتبار أن معظمهم بعيد عن أقربائه وأصدقائه يفتقد من ينصت له ومن يبذل له النصح.
وكان صعباً أن أقبل والحديث عن علاقات الحب والزواج ليس من اختصاصي..
لكن ولدواعٍ عاطفية هُزمت وقبلت أن أدلي برأيي في الحب.
في كل الأحوال قررت أن أبدأ الحرب.
(2)
حدثتهم بداية عن ألغاز الحب، فالحب مثلاً لا يُعرَّف، وإن كان ولا بد فإن لكل حالة حب بين اثنين تعريفاً خاصاً بها، يصوغه المحبان وحدهما، يستمدانه من علاقتهما ومما ينعكس على روحهما، مذاق خاص جداً بالطرفين، فكيف يمكن إسقاط هذا التعريف على علاقات الآخرين؟
ثم لماذا بالأساس نسعى إلى التعريف؟ لماذا نقحم الفلسفة في كل شيء؟ لماذا نصر على إدخال المشاعر إلى مطحنة الكلمات؟ إن رأيت اثنين يحلقان في حبهما فلا تبحث عن منطادهما أو عن أجنحتهما، اصنع أنت وشريكك منطادكما وأطلقا جناحيكما.
ثم ما هذا التعبير المستفز: فلان وقع في الحب، لماذا نعتبر أنه قد وقع؟ لماذا لا يكون قد نهض؟ لماذا لا نقول إنه خرج من كهف الرتابة والملل وإنه نجا ليذوق طعم الحياة الحقيقي؟
ثم لماذا نعتبر أن الحب أعمى؟ الأصل أن يكون الحب بصيراً، بل إنه يمنح نعمته هذه وهي البصيرة إلى المحبين، لماذا نعتقد أنه يحجب الرؤية فلا نرى نواقص من نحب؟ لماذا لا نقول إن المحب أدرك نواقص حبيبه ثم رضي بها، وكأنه يقول إنني قد آثرت هذا بعيوبه عن آخرين بفضائلهم؟
الوقوع والعمى مرادفان للحرب، الفائز والمهزوم يقعان على حد سواء، ومن المؤكد أنهما لم يبصرا فداحة الحرب قبل أن يخوضاها، أما الحب فلا وألف لا.
(3)
كيف أتأكد من أن ما أنا به هو الحب؟
عليك أن تتقن فن “إدارة المشاعر”، فإن كنت لا تعرف فلا تتورط في الأمر، فإن ذلك سيكلفك ومشروع نصفك الآخر كثيراً.
يجب أن تختبر مشاعرك بكل الوسائل الممكنة، كأن تسأل نفسك مثلاً: هل هو الحب أم الإعجاب؟
الإعجاب قد يكون بداية الحب، لكن ليس بالضرورة يؤدي إليه.
جرب أن تسأل نفسك لماذا هذا الشخص تحديداً؟ إن كانت هناك إجابات منطقية، مثل: إنه وسيم، إنها جميلة، هو من عائلة محترمة، هي على خلق، إلى آخر هذه الصفات “المنطقية”، فذلك حينئذٍ ليس بحب، صحيح أنه قد يفضي إلى زواج، وإلى زواج ناجح ربما، ولكنه ليس حباً، الحب كما أنه ليس له تعريف، ليس له أسباب تبرره يا سيدي، أنا أحب هذا الشخص وانتهى، ثمة لغة بين الأرواح لا تفهمها عقولنا.
تدخل نفسك في اختبارات، تتخيل مثلاً أن هذا الشخص سوف يكون رفيقك ٣٠ أو ٤٠ عاماً، كل يوم هو آخر وجه تراه وأول وجه تبدأ به، سيكون معك عندما تضرب الحياة ضرباتها، وسيكون معك عندما تهديك الحياة هداياها، فهل أنت مستعد في الحالتين أن يكون هذا الشخص هو رفيقك؟
لا تنتشِ باللحظة التي تعيشها وتنسى ما سيكون عليه الغد والتزاماته.
اصغِ إلى قلبك بعد أن تطهره وتزكيه، هو دليلك في رحلة طويلة، رحلة من الصعب أن تجد فيها في هذا الزمن الرفيق المناسب، لقد كثرت أمراضنا النفسية، أجزم بأنه ما منا من شخص سليم، بعض الأمراض مقبولة ومحتملة، وأخرى غير ذلك، لذا فما إن تجد الشخص الذي يدق قلبك له فتعلَّق به، بالأحرى اخطفه، قم بأسره، لا تطلق سراحه أبداً، إنه قطعة نفيسة في هذا الزمن الصعب.
قد يكون ذلك في سن مبكرة، وقد يكون في سن متأخرة، لا يهم، المهم أن تتعلق به، بشرط أن تكون قد وصلتك رسالة مؤكدة من قلبك.
(4)
لكن الحب يأتي بعد الزواج فلمَ الإصرار أن يأتي أولاً؟
نعم قد يأتي الحب بعد الزواج وقد لا يأتي، فماذا تفعل إذا لم يأت؟
كيف تواجه شراسة الحياة ومتاعبها وتتحمل عبء أسرة كاملة، وليس في قلبك سوى مشاعر حيادية، يسمونها أحياناً “العشرة”؟
كيف تعيش حياتك اليومية وقلبك لا يدق لطلعة الشريك ونفسك لا تتوق إلى أزهاره؟ كيف تعيش ولا يعذبك الشوق إليه وهو بالكاد غادرك إلى عمله اليومي؟ كيف لا ترتعش أنفاسك حين يعود؟ كيف لا تكون مراهقاً في حضرته حتى وإن بلغت الـ٨٠ من عمرك؟
دون هذا الحب المجنون ستكون حياتك تعيسة بالمعنى الحرفي للكلمة.
قبل عهود قريبة كان الطلاق شيئاً مخيفاً، لا يلجأ إليه الأزواج إلا في الضرورة القصوى، وهذا كان له جانب إيجابي وهو الإبقاء على الأسرة، وأما جانبه السلبي فيتلخص بأن الزوجين يضطران إلى أن يقضيا باقي عمريهما في نكد يومي خوفاً من عواقب الطلاق على العائلة والمجتمع.
في المقابل فإن شباب هذه الأيام يستسهلون الأمر كثيراً، يتزوجون اليوم وبعد شهور ينفصلون، الإيجابي أنهم لا يضطرون إلى تمضية ما تبقى من حياتهم على تلك الحال النكدة، لكن السلبي أنهم لا يبذلون جهداً للإبقاء على الأسرة، إن أحدهما أو كليهما يهرع إلى أول علاقة حب ممكنة خارج نطاق الأسرة، الحب الحقيقي الذي كان يتمناه قبل أن يرتبط بشريكه، إما تحت ضغط الزواج التقليدي، أو لأنه خدع نفسه، أو خدعته مشاعره.
الحب في نظري شرط أساسي للزواج، ولا يعني ذلك الدخول فيما يعرف بعلاقات ما قبل الزواج، ولا بقضاء شهور وسنوات في علاقة ما.
كل المطلوب أن يدق القلب ويرسل رسالة واضحة المعالم: هذا الشخص لا غيره.
الذين يؤمنون بشرعية حربهم ونزاهتها يقاتلون حتى النهاية، حتى النصر، والذين تتذبذب قلوبهم يفرون من أول ضربة.
(5)
لكن ماذا إذا انقلبت مشاعرنا فجأة، وطار هذا الحب وهذا الولع دون أسباب واضحة؟
ليس هناك ضمانات في أي شأن من شؤون الحياة، فلماذا تطلب ضماناً في هذه الحالة؟ لا شيء مضمونا يا عزيزي.
لكن على الأقل خذ بالأسباب، لا تبالغ في تصورك لشريك العمر، الملائكة لا تعيش على الأرض، لا تبنِ صورة خيالية ثم تصدم بالواقع، تعرف على الواقع قبل أن تخوض فيه.
الشريك المناسب غير الشريك الخيالي.
تعرف على الوجه المعتم كما تعرفت على الوجه المشرق، وتأكد أن قلبك ما زال يدق بعد هذه المعرفة؟ أي أن تقبل بالوجهين.
عد إلى الشرط الأساسي وهو أن تجيد إدارة مشاعرك حتى لا تتسرع بالارتباط ثم تكتشف لاحقاً أنه كان وهماً.
لا تتعامل مع شريكك كأنك تخوض تجربة، ثم تدعي لاحقاً أن مشاعرك انقلبت، لا ترتبط به إلا وفي نيتك أنه الاختيار الأبدي، وبمثل هذه الثقة ينتصر الجنود في الحرب.
(6)
هل أقاتل لأجل الطرف الآخر إذا كانت الظروف غير ملائمة؟
أجبت السائل بأنه ما كان ليسأل هذا السؤال لو كان حبه حقيقياً وصادقاً، لن يضع مستقبل علاقته محل اختبار وحسابات، هل ينهي العلاقة أم يقاتل لينال رفيقه.
الأمر ليس بصفقة، قد يكون ذلك صالحاً في الزواج التقليدي، هذا العريس ظروفه صعبة، سأنتظر آخر، أو هذه العروس يصعب الارتباط بها في الوقت الحالي سأبحث لي عن أخرى.
الذي يحب لا يسأل هذا السؤال أبداً.
الذي يحب يحارب..
هنا يلتقي الحب والحرب.
(7)
هل يمكن للفتاة أن تبادر بإعلان حبها؟
باغتني السؤال، أنا متطرف في هذا الشأن، لماذا ندعي المساواة في أمور وننفيها في أمور، لماذا من المعيب أن تبلغ الفتاة شخصاً بحبها؟
في الوقت ذاته أدرك أمرين: طبيعة مجتمعاتنا من ناحية، ورغبة الفتاة في الشعور بالدلال وبرغبة الآخر فيها من ناحية أخرى.
ثمة حل وسط، أن تبدي اهتمامها به، لعله ينتبه، فإذا انتبه ومس السهم قلبه فخيراً، وإذا لم يلتقط الرسالة فما من أمل.
في الحروب يحتاج المرء إلى قدر من الذكاء ليفوز على غريمه، أو كحالتنا يفوز بغريمه.
(8)
ربما أفلحت قليلاً في عملي بشأن الحرب.. ترى هل أفلحت في إجاباتي بشأن الحب؟