(1)
هل تحاول ألا تكون هذا الشخص الممل جدًّا..
ذاك الذي يولد ويعيش ويموت وهو نفس الشخص!
تبحث عن الحل؟
إليك طريقة عمل شخص جديد.
(2)
تشكو أن الحياة التي تعيشها ليست هي التي ترغب بها، وأن الآخرين -بشكل أو بآخر- اختاروها لك، اختاروا اسمك، ومكان ميلادك، ودراستك، وربما عملك وشريك حياتك، وأنك قبلت مرغمًا -أو باختيارك- أن تعيش هذه الحياة، لكنك الآن بتَّ لا تحتمل الاستمرار، تريد الحياة التي تتمناها، التي تتمناها أنت وليس غيرك.
تريد أن تولد من جديد
لكنك لا تعرف ماذا تختار.
أي طريق يجب أن تسلكه، وأي واقع تبحث عنه، وأي شخصية تريد أن تصبح عليها.
(3)
أصعب مهمة يقوم بها الإنسان في حياته هي الاختيار؛ أن تقف في مفترق طرق وتقول: أريد هذا الطريق، لا الطريق الآخر.
الاختيار مهمة صعبة جدًّا، سواء كان لأمر هام أو لأمر بسيط جدًّا؛ كـ: اختيار وجبتك في المطعم من قائمة الطعام.
لكننا نبالغ في الأمر قليلاً حين نتصور أننا عندما نختار أننا نخوض مغامرة كبيرة، فإن نجحنا فيها نلنا ما نريد، وإن أخطأنا هلكنا، وهو ما يجعلنا نخاف ونتردد عند كل اختيار، فلا نُقدِم على عمل، ولا نتوقف عن التمني.
والواقع أن الأمر أبسط من ذلك، إذا عرفنا أن كل خيار إنما يحمل جوانب سلبية، وأنه لا خيار لا نواقص به، ومن العبث البحث عن خيار كامل؛ فالأمور في الدنيا ليست هكذا، الكمال معدوم فيها، ولا يتسم به إلا خالق الدنيا.
كل اختيار محتمَل إنما يحمل جوانبه الإيجابية، والأخرى السلبية، وعلى كل واحد منا أن يقرِّر أيهم الأقل سوءًا له، ذاك الذي بوسعه أن يتحمل سلبياته.
ثم إن لكل اختيار ثمنًا يجب أن نكون مستعدين لأن ندفعه، فلا تغيير في حياتنا مجاني، والبحث عن خيارات مجانية خدعة، وقد يدفع الإنسان فيها -في نهاية الأمر- ثمنًا أغلى.
وفي كل الأحوال، علينا أن نكون مستعدين لقبول فشلنا، وأن نعترف بأننا لم نوفَّق في اختيارٍ أقدمنا عليه، فنعاود المحاولة من جديد؛ فالحياة سلسلة من التجارب، ومن غير المنطقي أن ننجح فيها كلها.
وأنه كلما كانت اختياراتنا مميزة، كان الثمن مرتفعًا.
أعترف أن الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، ويحتاج إلى إقناع النفس، بل وتدريبها، ومَن يكتب هذا الكلام يجد هو نفسه مشقات كثيرة عندما يتوجب عليه الاختيار.
(4)
لهذا نفضِّل الشكوى!
نشتكي مِن أحوالنا، من واقعنا، من دراستنا، من مهنتنا، أو بلدنا، أو شريكنا، لكننا نخشى الاختيار، نخشى التغيير؛ حتى لا ندفع ثمنه لاحقًا.
الشكوى أفضل؛ ففي الشكوى نقوم بدور المظلوم، لكن إذا اخترنا طريقًا آخر فمَن سيتحمل المسؤولية إن أخطأنا، مَن سيكون بوسعنا أن نعلِّق عليه فشلنا، لا شيء، لذا الأفضل ألا نختار، وأن نستمر في الشكوى.
نفضِّل الهروب من مغامرة الاختيار، ونقبل بالأمر الواقع، مهما كان سيئًا؛ فالنفس تميل إلى الراحة والدَّعة، فتقبل بعصفور في اليد، حتى لو كان مريضًا، عن عشرة عصافير أصحاء على الشجرة، تقبل جهنم الواقع عن جنة الحلم.
(5)
الثورة ضد الحاكم أسهل كثيرًا من الثورة ضد النفس!
نعم.. النفس ليست سهلة الانقياد.
يستطيع الثوار أن يهزوا عرش الحاكم، وأن يجبروه على قبول طلباتهم أو التنحي، لكن كيف لنفسك أن ترضخ لما تطالَب به، وتعلن التخلي عن وجهها القديم، والخروج إلى الناس بوجه جديد، وتواجِه انتقادات مَن حولها، لهذا الشخص الجديد حديث الولادة.
الثورة ضد النفس لإعادة الميلاد تحتاج عزيمة لا تلين، ورؤية واضحة لا غَبَش فيها.
تحتاج شجاعة المواجهة.
أنت شجاع -ربما- ضد الآخرين، لكنك مستكين أمام نفسك.
تعترف بضعفها وبعيوبها لكن لا شجاعة لديك للمواجهة، وإجبارها على التغيير للحياة التي تتمنى.
أن تلزمها بسلوك طريق جديد اخترته.
لكن لا بأس من المحاولة.
طمئِنها أن ما فات لم يضع هباء، وأنك سوف توظِّف كل خبراتك في الحياة التي تراكمت؛ لتصنع حياتك الجديدة، وتأكد أن لديك من القدرة ما تستطيع به إنجاز مهمتك.
تقول الروائية اللاتينية الشهيرة إيزابيل ألليندي: “جميعنا لدينا في داخلنا احتياطي مؤكَّد من العزيمة يتكشَّف عندما تُخضعنا الحياة لمحنها”.
لا تتحجج بالقضاء والقدر، نحن لا نعرف قدرنا، والاستسلام للواقع ليس رضًا أبدًا؛ إنه ضعف، ضعف واضح، فلم يأمرك ربك بأن ترفع الراية البيضاء أمام تحديات الزمن.
والاختيار محنة.. والميلاد الجديد يلزمه مخاض مؤلم، لكن المولود يستحق.
الميلاد الجديد يعني أنك تبحث عن نسخة جديدة منك أفضل من تلك التي أنت عليها الآن، وهذا العمل في أفضل أحواله لا يتوقف حتى الممات، إنَّ عمليات التحديث يجب أن تظل مستمرة حتى النفَس الأخير.
(6)
في الميلاد الأول لا تختار جنسك، ولا اسمك، ولا دينك، ولا بلدك، وفي المقابل لا تعاني أبدًا آلام المخاض، وفي الأغلب تُستقبل بدلال شديد.
في الميلاد الثاني يحدث العكس تمامًا؛ إذ إنك تختار كل شيء، وفي المقابل تعاني بنفسك آلام المخاض، وفي الأغلب تُستقبل باستهجان.
ولأنك شخص حر وشجاع قررت أن تولد مرة أخرى، قررت أن تتحمل آلام المخاض؛ حتى تولد على الشكل الذي ترغب به، شكل تقرره أنت، ولا يقرره غيرك لك، وتعيش الحياة التي تريدها أنت، وليست التي يريدها غيرك.