(1)
“التناقض الاجتماعي كامن في أعماق الشاب العربي، فهو يقلد الشاب الغربي في أفانين الغرام، ولكنه في الزواج يريد تقليد أبيه وأعمامه وأخواله، إنه في غرامياته (دون جوان)، وفي زواجه (حاج عليوي)”.
علي الوردي
(2)
تريد رأيي؟
سأخبرك -أنا الزوج العربي- بكل شيء.
نحن الأزواج والزوجات العرب نحب بعضنا بعضًا إلى الحد الذي يحاصر فيه كل منا الآخر حتى يختنق، ولا يدعه يفلت من مراقبته، هذا ليس من قبيل الشك، أستغفر الله؛ بل على العكس، فشريكنا طيب جدًا ونخاف أن يخدعه الآخرون الأشرار، لذا نتأكد من كل صغيرة وكبيرة في حياته، هاتفه، أوراقه، ملابسه، جيوبه، حتى أرقامه السرية التي يدخل بها على حساباته المختلفة نطلبها منه دون حياء، باختصار؛ كل أشيائه الخاصة.
نكره المسافات لأننا نكره الخصوصية، كأننا يوم زواجنا قمنا بالتنازل عنها كليًّا، مؤمنين بأن الزواج هو أن يذوب كل شيء في كل شيء، فلا يبقى لك شيء تحتفظ به لنفسك.
نحن نعتقد أن الخصوصية مساحة ترتكب فيها الأخطاء والخطايا، فإذا كنت لا ترتكب ما هو ممنوع، فلماذا تريد أن تخفيه عن شريكك؟ الخصوصية والبراءة في بلدنا “دونت ميكس”.
نحن في الزواج مثل دولة ألبانيا في عهد زعيمها أنور خوجة الذي تطرف في شيوعيته حتى قاطع روسيا مهبط الشيوعية متهمًا إياها بالتفريط، نعم نحن مثل ألبانيا نرفض أي نوع من الملكية الخاصة، ليست ملكية الأرض ولا المال؛ بل ملكية المسافة، ملكية التنفس، ملكية الخصوصية، أن يكون لك مساحة أنت حرٌّ فيها، هي لك وحدك.سأخنقك وتخنقني، حتى تلك الأفكار التي تقفز إلى دماغك، سأبذل كل جهدي كي أكتشف هويتها وأتتبع آثارها، ومن أين أتت؛ من أمك بالتأكيد، أو ربما من أبيك، الحقيقة أخشى أن تكون من أصدقاء السوء الذين حذرتك منهم كثيرًا.
نحن في علاقتنا الزوجية أشبه بالعبيد، كل منا مملوك للطرف الآخر.
(3)
نعم أؤمن بالصداقة بين الرجل والمرأة، أنا شخص عصري ناضج، لي صديقات كثر، يهاتفنني ويسألنني عن أمور عديدة، أقدم لهن النصيحة، وأحاورهن، أؤمن بالصداقة بين الرجل والمرأة؛ لكن لا أؤمن بالصداقة بين الرجل وزوجتي.
أنا شخص لطيف للغاية، أبتسم لجارتي عند التحية، ألاطف زميلاتي في العمل، أقدم لهن المساعدة ما أمكن؛ لكن لا أعلم لماذا لا أقبل ذلك أبدًا لزوجتي، لا أحب أن تساعد زميلها في العمل، ولا أن يقدم لها المساعدة.
(4)
في عقيدتنا الزوجية نعدّ البيت مثل العالم قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، فالزوج قطب، والزوجة القطب الآخر، والصراع بينهما تدفع ثمنه الدول الصغرى؛ الأولاد، ناهيك عن محاولات الاستقطاب، واستخدام سلاح الترغيب والتهديد.
البيت مكان جميل لأحلامنا؛ لكنه في الوقت ذاته الساحة التي نستعرض فيها بعض أسلحتنا التي لا نستطيع أن نشهرها في الخارج، وهو المكان الذي نحاول فيه أن نثبت ما فشلنا في إثباته خارجه.
(5)
لكن الحق يقال، نحن الرجال نؤمن بالديمقراطية ونحب الحرية، انظر للمعتقلات، إنها تعج بالآلاف من أمثالنا نحن الرجال، إننا ندفع ثمن ذلك غاليًا؛ لكننا في الحقيقة لا نقبل هذا المبدأ في بيوتنا.
أطرح الأمر على العائلة لتناقش بكل حرية آليات تنفيذه، لا الأمر بحد ذاته، على الزوجة أن تطيعني وإلا فهي ناشز، على الأبناء طاعتي وإلا فهم عاقون.
بالله عليك كيف أسمح لابني أن يناقشني فيما أقول، كيف يمكن أن يكون كلامي قابلًا للنقد، كيف تكون وجهة نظري ليست مثالية، أتريد أن تهز صورتي أمام أولادي؟
نعم أكتشف أحيانًا أن قراري كان خطأ، وأن ما أمرتهم به كان غير صائب؛ لكن طبعًا لا يمكن أن أعتذر، هل رأيت في عالمنا العربي أبًا أو أمًّا يعتذران للأبناء عن رأي خطأ، أو عن عقاب ما كانوا يستحقونه، أو عن صراخ صرخنا به في وجوههم؟
ثم كيف تطلب مني أن أعلمهم فكرة حرية الاختيار، كيف تسميها بالأساس فضيلة، هل تريد حقًّا أن يختار ابني مجال دراسته، تريد أن تختار ابنتي زوجها؟ وماذا عني؟ وماذا عن خبرتي؟ هل ألقي بذلك كله في عرض البحر، وأجعلهم يخوضون تجربتهم الخاصة، ويعيشون حياتهم بطريقتهم؟ كيف تطلب مني أن أكون الناصح الأمين، ولا أكون الحاكم الذي يأمر فيطاع؟
(6)
أتعلم ما يؤرقني فعلًا؟ أن الرتابة والملل يتسللان سريعًا إلى حياتنا الزوجية.
تقول زوجتي إنها تريد قضاء عطلة بعيدًا عن البيت وعن العائلة، لقد رفضت بالطبع، كيف لي أن أهتم بالأولاد في غيابها؟ أعتني بنظافتهم، بأكلهم، بملبسهم، بالله عليك ماذا يقول عني الجيران في هذه الحالة؟
إن فكرة أن يحصل كلانا أو أحدنا على عطلة بمفرده مثيرة للتساؤلات في مجتمعنا، نحن نعيش على مبدأ خدمة 24 ساعة على مدار 7 أيام طوال العام؛ بل طوال الحياة، ألم أخبرك من قبل أننا نكره المسافات؟
(7)
أنا مؤمن بأن لكل مرحلة خصوصيتها، الأزهار وكلام الحب قبل الزواج، بعد الزواج يجب أن ينصب الكلام على الفواتير وكيف ندفعها، عن مشاكل الأولاد في المدارس، عن تدخل الوالِدان في حياتنا، عن تحسين فرص العمل.
تخيل أن هناك من يدعي أن الحب أقوى ونحن أحرار، تخيل أن هناك من يطلب من الزوجين أن يعملا بكد حتى تظل علاقتهما مثلما كانت وهما شابان صغيران، وإلا أصبحت الحياة كئيبة، وأصبح الزواج وظيفة.. وظيفة مملة، أيعقل؟
تخيل أن هناك من يطلب أن نعيش الحياة كهواة لا كمحترفين؛ أي: ألا نأخذ كل أمر على محمل الجد، وألا نبالغ في كل مشكلة تمر بنا، وأن نتوقف عن الشكوى، وأن نتمتع كما يتمتع الهاوي بهوايته، وأن يقبل كل منا عيوب الآخر قبل مزاياه.
الحقيقة أننا جميعًا نرتدي أقنعة، وفي أغلب الأحوال فإن قناع ما قبل الزواج يختلف عن قناع ما بعد الزواج، وأن ما ندَّعيه قبله نناقضه بعده، وفي هذا فليعترف المعترفون.